
في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد تمكن الرومان من دخول جزيرة صقلية وأصبحت مقاطعةً يحكمها والي أو حاكم روماني ” praetor ” ، نتيجة لهذا الحكم الرّوماني تركزت الثروة بيد المواطنين الرّومانين التي كان عمادها مزارع الغلال و الحبوب .
كان يتم تشغيل هذه المزارع من قبل أعداد كبيرة من العبيد الذين تم شرائهم من أسواق الرقيق في شرق البحر الأبيض المتوسط بالإضافة لعدد من أسرى الحرب ، فكان هؤلاء العبيد ينتمون لمجموعات عرقية متعددة لكن في الحقيقة معظمهم قد كان من الكلتين والسوريين أو التراقيين .
من بين هؤلاء العبيد السوريين كان يونُس Eunus ومن اسمه יונו يونو تعني بالأرامي حمامة و السين للاسماء [القرآن يحتوي الأسم بالشكل ” يونس ” أي بالصيغة اليونانية] عموماً حتى لا نشعب الموضوع كان يونُس عبداً لرجل يوناني يدعى أنتيجينيس ، ويونس حسب ما وصلنا عنه كان من مدينة أفاميا السورية .
إدعى يونُس النبوة وقال بأنه مرسل من قبل ألهة السّوريين المقدسة ” أترعتا ” وهي ألهة الحب والخصب وهي أحد أشكال الألهة عشتار أو افروديت، كانت من أهم رموزها الحمامة التي تمثل للحب و السمكة التي تمثل الخصب وهذا يعيدنا لأسم بطلنا يونُس الذي كان على ما يبدو مكرساً لها .
قال يونُس حسب مانقله المؤرخون أنه قد تلقى من الألهة أترعتا رؤى وأتصالات ونبؤات ومن هذه النبؤات التي أخبر العبيد بها أنه سيستولي على مدينة” إينا ” ويصبح ملكاً لصقلية.
ونقل لنا المؤرخون أن يونُس كان يقوم ببعض الألعاب النارية المتمثلة بنفخ النار من فمه حيث قدمها بين أتباعه كقوة خارقة للطبيعة ودليلاً على صدقه والتي ساعدته حسب ماتم نقله في جمع الأنصار له.
بشكل عام معظم الحكاية التاريخية التي تأتيني عن ثورته جائت عن طريق ديودور الصقلي(90-30 ق. م ) عن طريق المؤرخ والفيلسوف السوري الأفامي بوسيدونيوس (135-51 ق. م ) كذلك ترد حكايته في مقتطف من تاريخ روما منذ تأسيسها للمؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس (59 ق.م. – 17 م) وتتمة ماقدمه تتيوس عن هذه الثورة جاءنا عن طريق مولف روماني يدعى بوبليوس أنيوس فلورس Publius Annius Florus يعود لأوائل القرن الثاني الميلادي .
وفي 136 أو 135 قبل الميلاد قام يونُس و الى جانبه 400 عبد آخر بالثورة ضد الحكم الروماني في صقلية وحاصروا منطقة ” إينا ” في وسط صقلية مستغلين على مايبدو رجعوهم لخلفية عرقية واحدة سهلت التواصل فيما بينهم في قيادة وتنظيم هذه الثورة.
فيذكر ديدور الصقلي “أن يونُس كان يقف في الصفوف الأمامية وينفخ النار من فمه ”
في النهاية تمكنوا من اقتحام مدينة ” إينا ” وعندها عين يونس نفسه قائداً لثورة العبيد هذه والتي قدمها كثورة مدعومة من الألهة “اترعتا” وبين أنها قد ارسلته ضد الرومان الذين لم يحترموها ،
وعندما استولى بشكل كامل على مدينة إينا عين نفسه ملكاً عليها وأسمى نفسه بأنطيوخوس وهو لقب الملوك السلوقيين في سوريا بعد نجاح ثورته زاد عدد جنوده من العبيد إلى 20 ألف مقاتل و تابع يونس توسعه وأسقط جيشه عدد من المدن وسط وشرقي ﺻﻘﻠﻴﺔ .
و ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻫﺰﻳﻤﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﺿﺪﻩ عدة حملات لعدة ﺳﻨﻮﺍﺕ لكن “إينا ” كانت حصينةً جداً وﺣﺼﺎﺭها صعباً لأنها ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺫﻟﻚ كانت ﺭﻭﻣﺎ تعاني من ﺗﻮﺗﺮﺍﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺸﺮﻭﻋﺎﺕ ﺍﻹﺻﻼﺡ .
في النهاية بعد سنوات تمت ﻫﺰﻳﻤﺔ ﺟﻴﺶ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻲ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎﺩﺓ “ﺑﻴﺮﺑﻴﺮﻧﺎ ” حسب فلوروس حيث ضرب حصاراً على المدينة وجوع الثوار ﻟﺠﺄ ﻳﻮنُس ﻣﻊ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻣﻦ ﻣﺤﻜﻤﺘﻪ بعد أن سقطت المدينة ﺇﻟﻰ ﻛﻬﻒ ﺣﻴﺚ ﺗﻢ ﺃﺳﺮﻩ ﻻﺣﻘًﺎ و ﺗﻢ ﺇﺭﺳﺎﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺠﻦ ثم ﺗﻮﻓﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺘﻢ ﻣﻌﺎﻗﺒﺘﻪ .
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ الموت مرضاً طريقة ﺍﻟﻤﻮﺕ المناسبة لهذا الثائر الذي رفض العبودية وثار على أسياده بعد أن قاد أقرانه وضمهم معه بطريقة ذكية وأصبح بعدها ملكاً بعد أن كان عبداً .
لكنه بالرغم من كل هذا فقد ترك يونُس ثقافة إمتدت أجيلاً بعده حيث شهدت ﺻﻘﻠﻴﺔ ﻭﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺛﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ على سبيل المثال ﺛﺎﺭ ﺳﺎﻟﻔﻴﻮﺱ ﺗﺮﻳﻔﻮ ﻭﺃﺛﻴﻨﻴﻮ سنة 101-104 قبل الميلاد ﻋﻠﻰ حاكم ﺻﻘﻠﻴﺔ كذلك ﻓﻲ العام 71-73 قبل الميلاد ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺯﻋﻴﻢ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﺍلشهير ﺳﺒﺎﺭﺗﺎﻛﻮﺱ ..
ملاحظات :
– من نظرة نقدية للحكاية التاريخية فقد ﻛﺎﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺩﻳﻮﺩﻭﺭ الصقلي ﻭﺑﻮﺳﻴﺪﻭﻧﻴﻮﺱ بالرغم من كونه ابن مدينة يونُس ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﻴﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ على مايبدو كونهما كانا يعيشان في كنف الإمبراطورية الرومانية وكون يونُس عدو تمت هزيمته من قبل روما .
– بالنسبة للأدلة الاثرية الداعمه للحكاية التاريخية تم العثور في صقلية في منطقة إينا على عملة برونزية تحمل نقش ” الملك أنطيوخوس ” تم سكها في ” إينا” يبدو من هذه العملة أن يونس حاول بناء دولة مستقلة حاضرتها هضبة “إينا” وسط صقلية
– في الصورة تمثال السوري يونُس الثائر في جزيرة صقلية اليوم في مدينة إينا.
Amjad Sijary