أول السكان المعروفين لتدمر كان الأموريون في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد وفي نهاية هذه الألفية تم ذكر الأرامين كسكان لتلك المنطقة وفي أواخر الألفية الأولى قبل الميلاد وصل العرب إلى المدينة وسكنوا بها .
ويظهر في تدوينات تلك المرحلة الشيخ زبدبيل أو زبدبيلوس الذي ساعد السلوقين في معركة رفح سنة 217 ق.م حيث تم وصفه بأنه قائد للعرب والقبائل المجاورة وكان تعداد جنوده عشرة الآلاف مقاتل مع ملاحظة أن النصوص التي ذكرت زبدبيل لم تُعرف زبدبيل وجنوده بأنهم تدمريين بل كعرب لكن إسم زبدبيل هو اسم تدمري لذلك تم إستنتاج ان هذا القائد أو الشيخ هو تدمري .
إندمج العرب مع السكان الأراميين وشكلوا نسيجاً واحدا وتحدثوا لغة تدمر ” الأرامية التدمرية ” كما احتوت تدمر إلى جانب الأرامين والعرب عائلات يونانية وتم الإستدلال عليهم من خلال النقوش التي إحتوت اسمائهم اليونانية ويظهر من النقوش أن التدمرين كان لهم نزعة قومية تجاه هذه العائلات اليونانية وإعتبروهم أجانب .
بلغ عدد سكان تدمر في اوج إزدهارها زمن الملكة زنوبيا ما يقارب 200 ألف نسمة .
حتى أواخر القرن الثالث ميلادي ظل التدمريون يستخدمون اللغة الأرامية التدمرية وأبجديتها المشتقة من الأبجدية الأرامية ولم يستخدموا اللغة اللاتينية إلا بشكل ضئيل جدا أما اللغة اليونانية كانت تستخدم من قبل أفراد المجتمع النخبوي لأغراض تجارية ودبلوماسية لكن في الفترة البيزنطية كانت اليونانية هي اللغة السائدة كون اليونانية لغة الإمبراطورية البيزنطية .
مع تشكيل الإمبراطورية العربية وتعريب الدولة في العصر الأموي تداخلت العربية التدمرية وشكلت فيما بعد للهجة التدمرية الحالية على الرغم من أن القرويين محاطون بالبدو إلا أن أهل تدمر من القروين الذين بلغ عددهم في بداية القرن العشرين 6000 نسمة حافظوا على لهجتهم ولم يتأثروا بلهجة البدو .
تكشف القطع الأثرية النادرة الموجودة في المدينة أن تدمر كانت ثقافياً تابعة لغرب سوريا لكن بالرغم من هذا فقد كان لتدمر نكهة ثقافية خاصة متأثرة باليونان والرومان كما أثرت الثقافة الفارس في تكتيكات التدمرين العسكرية وزيهم الرسمي واحتفالاتهم .
للأسف لم تمتلك تدمر مكتبات كبيرة وحركة فكرية ضخمة مثل الرها أو أنطاكية بإستثناء فترة حكم زنوبيا التي فتحت أبواب دولتها أمام الأكاديميين وعلى رأسهم الشهيد الفيلسوف والخطيب الشهيد لونجينوس لكن هذه الحركة لم تدم بسبب إعادة تدمر تحت الإحتلال الروماني .
دفن التدمريون موتاهم في أضرحة عائلية متقنة ، معظمها بجدران داخلية تشكِّل صفوفاً من غرف الدفن التي وُضع فيها الموتى بطولهم الكامل كما تم العثور على العديد من المومياءات المحنطة بطريقة مماثلة لتلك المستخدمة في مصر القديمة .
قام التدمريون بوضع منحوتات موتاهم على جدران المدافن بإسلوب النحت النافر أو المجسم حيث كانت هذه المنحوتات الجنائزية التي تصور أفرادا يرتدون ملابس أنيقة كما تظهرهم بعض المنحوتات متكئين على الأرائك مع عائلاتهم يأكلون العنب ويشربون الخمر ويطوف عليهم غلمان لخدمتهم .
بشكل عام الصور المرفقة تمثل هذه الوجوه التدمريين الذين عاشوا بين 50 م و 270 م تظهر هذه المنحوتات أزياءهم السورية والتي تم عرضها من خلال النحت بأسلوب يوناني روماني مع عناصر بارثية.
أخذت المقابر المصممة للمواطنين الأثرياء على شكل أبراج من عدة طوابق بارتفاع يزيد عن 20 متراً أوعلى شكل معابد أو كمقابر منزلية أو مقابر صخرية تحت الأرض كانت مزينة بشكل غني باللوحات الحائطية بحيث يحتوي كل قبر على عدة حجرات صغيرة حيث كانت كل حجرة تحتوي على صور جنائزية مع نقش قصير غالباً باللغة الآرامية واليونانية محفور على ألواح الحجر الجيري التي أغلقت بها منافذ الحجرات التي وضعت فيها جثث الميت المحنطة .
أطلق التدمرين على مقابرهم “منازل الأبدية” تم اكتشاف حوالي 300 من المعالم الجنائزية في تدمر.
بشكل عام مجموعة المنحوتات الجنائزية في تدمر هي أكبر مجموعة من المنحوتات الشخصية في الإمبراطورية الرومانية خارج روما و اليوم تنتشر أكثر من 1500 صورة جنائزية من خلال العديد من المتاحف والمجموعات الخاصة في جميع أنحاء العالم إليكم مجموعة صغيرة من هذه الصور التي جمعتها المصورة Carole Raddato خلال زياراتها في عدد من متاحف العالم .
Amjad Sijary