تصفح

ما لا تعرفه عن الصوفي العابد الزاهد أبو بكر الشبلي

قال أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي: كنت وَاقِفًا على حَلقَة الشبلي فِي جَامع الْمَدِينَة فَوقف سَائل على حلقته وَجعل يَقُول يَا الله يَا جواد فتأوه الشبلي وَصَاح فَقَالَ : كَيفَ يمكنني أَن أصف الْحق بالجود ومخلوق يَقُول فِي شكله (تعود بسط الْكَفّ حَتَّى لَو أَنه … ثناها لقبض لم تجبه أنامله) (تراك إِذا مَا جِئْته متهللا … كَأَنَّك تعطيه الَّذِي أَنْت سائله) (وَلَو لم يكن فِي كَفه غير روحه … لجاد بهَا فليتق الله سائله) (هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي أَتَيْته … فلجته الْمَعْرُوف والجود ساحله) ثمَّ بَكَى وَقَالَ بلَى يَا جواد فأنك أوجدت تِلْكَ الْجَوَارِح وَبسطت تِلْكَ الهمم ثمَّ مننت بعد ذَلِك على أَقوام بعز الِاسْتِغْنَاء عَنْهُم وَعَما فِي أَيْديهم بك فَإنَّك الْجواد كل الْجواد لأَنهم يُعْطون عَن مَحْدُود وعطاؤك لَا حد لَهُ وَلَا صفة فيا جواد يَعْلُو كل جواد وَبِه جاد كل من جاد .

أبو بكر الشبلي

ولد أبو بكر الشبلي بسامراء في العراق عام 247هـ، يقول الذهبي إن أبيه كان من كبار حجاب الخلافة، وتولاها هو أيضًا، لكنه حضر مجلس بعض الصالحين فتاب ثم صحب كبار أعلام التصوف كالجنيد وغيره، واختلف في اسمه، فقيل دلف بن جحدر وقيل جعفر بن يونس، وقيل جعفر بن دلف، لكنه اشتهر بأبو بكر الشبلي.

اشتهر بأنه أحد أعلام التصوف في العراق فيما بين القرنين الثالث والرابع الهجري، ولد في زمن الخليفة العباسي المنتصر بالله، وعاصر كثيرا من كبار مشايخ الصوفية وأعلامها وتلقى العلم على أيديهم، ومن أبرزهم “خير النساج” والإمام “الجنيد .

يروي المصطفى مبارك إيدوز في كتابه “حكايات وقصص من حياة السابقين”، أن أبو بكر الشبلي كان تركي الأصل من قرية شبلية، نشأ بين الوزراء والأمراء، وحين عمل حاجبًا في الخلافة آلمه رؤية الظلم والباطل في عمله بين الحكام، وكان طوق نجاته “خير النساج” وهو رجل صالح من مشاهير الوعاظ، أرشده إلى الجنيد البغدادي، فتاب وصحبه.

الجنيد والشبلي

كان أبو بكر الشبلي يرى المظالم في عمله والسعايات بين الحكام بالباطل فيؤلمه ذلك، ولا يوافق هواه ونزعته الشاعرية، وأحس بقيود الوظيفة، وأراد خلعها لأنه يرى مصيره سيئا في الدنيا والآخرة إذا أستمر بالعمل مع هؤلاء المتكالبين على الدنيا، والتقى بالرجل الصالح (خير النساج) وكان من مشاهير الوعاظ في عصره، ووجهه نحو الجنيد البغدادي.

قرر الأستقالة من عمله. فطلب منه الجنيد أن يعود إلى وظيفته ويسترضي الناس، فرجع الشبلي لعمله واقام فيها سنة، يسترضي خلالها الناس، ثم عاد إلى بغداد، وسلك سبيل التصوف ولما ألتقى الشبلي بالجنيد البغدادي رحب به الجنيد وأكرمه وحبب إليه العبادات والتصوف، وكان الشبلي يبالغ في تعظيم الشرع المكرم.
عاش سبعاً وثمانين سنة، ومات سنة: أربع وثلاثين وثلاثمائة. وقبره ببغداد.

واسرع الشبلي للقاء الامام الجنيد سيد الطائفة الصوفية ليتلقى عنه اصول الطريق الصوفي ولينخرط في سلك اكرم طائفة , انها طائفة الربانيين من عباد الله . وكان شيخ وقته: حالاً، وظرفاً، وعلماً.على اهمية الاستمداد من محيط امدادات القوم جرى بينه وبين الامام الجنيد هذا الحوار الحافل بدرر المعاني , وهو كما يذكره صاحب التبر المسبوك : ان الشبلي قال للجنيد : ( لقد حدثوني عنك ان عندك جوهرة العلم الرباني الذي لا يضل صاحبه ولا يشقى , فاما ان تمنح واما ان تبيع.

فقال الجنيد : لا استطيع ان ابيعها لك فما عندك ثمنها , وان منحتها لك اخذتها رخيصة فلا تعرف قدرها , ولكن وقد رزقت هذا العزم فهو علامة الاذن , وبشير التوفيق , فالق بنفسك غير هياب في عباب هذا المحيط مثلما فعلت انا , ولعلك ان صبرت وصاحبك التوفيق ان تظفر بها , واعلم ان طريقنا طريق المجاهدين الاخذين بقوله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا فاجعل هذه الاية نصب عينك فهي معراجك الى ما تريد ).

وضع الامام الشبلي قدمه على اول الطريق حيث تلقى نسبته الصوفية عن الامام الجنيد عن سيدي السري السقطي عن سيدي معروف الكرخي الذي نهل من نبع آل البيت . حيث اخذ عن سيدي علي الرضا من جهة كما اخذ عن سيدي داود الطائي عن التابعين من جهة اخرى , وكان الارتباط بين سيدي ابي بكر الشبلي وسيدي ابي القاسم الجنيد يفوق في مدلوله حد التصور , وانها صحبة لولاية في طريق الحق عز و جل وانها خلة الروح على صراط المحبة , ولقد كان كل منهما كبيرا في عين الاخر شامخا في منزلته سامقا في رفعته

من أقواله

– ما قلت : الله ، إلا واستغفرت الله من قولي : الله·

– سئل : ما علامة العارف ؟ قال : صدره مشروح ، وقلبه مجروح ، وجسمه مطروح ·

– الزهد هو تحول القلوب من الأشياء إلى رب الأشياء.·

– الوجد عندي جحود ما لم يكن عَن شهود وشاهد الحق عندي يفني شهود الوجود.·

– قيل لَهُ : يَا أَبَا بكر ،الرَّجُلُ يَسْمَعُ قَوْلا وَلا يَفْهَمُهُ ، فَيَتَوَاجَدُ عَلَيْهِ ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ :رُبَّ وَرْقَاءَ هَتُوفٍ بِالضُّحَى ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحْتَ فِي فَنَنِ فَبُكَائِي رُبَّمَا أَرَّقَهَا وَبُكَاهَا رُبَّمَا أَرَّقَنِي وَلَقَدْ تَشْكُو فَمَا أَفْهَمُهَا وَلَقَدْ أَشْكُو فَمَا تَفْهَمُنِي غَيْرَ أَنِّي بِالْجَوَى أَعْرِفُهَا وَهْيَ أَيْضًا بِالْجَوَى تَعْرِفُنِي

– التصوف ضبط حواسك، ومراعاة أنفاسك·

– ليس من استأنس بالذكر كمن استأنس بالمذكور.·

– سئل ما الزهد فقال نسيان الزهد.·

– لا تأمن على نفسك وان مشيت على الماء حتى تخرج من دار الغرة الى دار الامل.·

– إذا وجدت قلبك مع الله فاحذر من نفسك واذا وجدت قلبك مع نفسك فاحذر من الله.·

– ان اردت ان تنظر الى الدنيا بحذافيرها فانظر الى مزبلة فهي الدنيا، واذا اردت ان تنظر الى نفسك؛ فخذ كفاً من تراب فانك منه خلقت وفيه تعود ومنه تخرج، واذا اردت ان تنظر ما انت فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء فمن كان حاله كذلك فلا يجوز أن يتطاول أو أن يتكبر على من هو مثله.

– وَسُئِلَ عَن الْوَفَاء فَقَالَ : هُوَ الْإِخْلَاص بالنطق واستغراق السرائر بِالصّدقِ.

– كَانَ الشبلي إِذا نظر إِلَى أَصْحَابه يسافرون وَيرى تقطعهم فِي أسفارهم يَقُول وَيْلكُمْ أَبَد مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ بُد بل بُد مِمَّن لَيْسَ مِنْهُ بُد.

– كما قال : الْأَرْوَاح تلطفت فتعلقت عِنْد لذعات الْحَقِيقَة فَلم تَرَ غير الْحق معبودا يسْتَحق الْعِبَادَة فأيقنت أَن الْمُحدث لَا يدْرك الْقَدِيم بِصِفَات معلولة فَإذْ صفاه الْحق أوصله إِلَيْهِ فَيكون الْحق أوصله إِلَيْهِ وَلَا وصل هُوَ .

– وَسُئِلَ مَتى يكون الرجل مرِيدا فَقَالَ إِذا اسْتَوَت حَاله فِي السّفر والحضر والمشهد والمغيب .

– قال مُحَمَّد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ : سَمِعت الشبلي يَقُول أَنْتُم مِنْكُم مخفوضة وَأَنا مني مَنْصُوبَة .

– قال أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي كنت وَاقِفًا يَوْمًا على حَلقَة الشبلي فَجعل يبكي وَلَا يتَكَلَّم فَقَالَ رجل يَا أَبَا بكر مَا هَذَا الْبكاء كُله فَأَنْشَأَ يَقُول :
(إِذا عاتبته أَو عاتبوه … شكا فعلي عدد سيئاتي)
(أيا من دهره غضب وَسخط … أما أَحْسَنت يَوْمًا فِي حَياتِي) .

– كما أنه قال : من عرف الله خضع لَهُ كل شَيْء لِأَنَّهُ عاين أثر ملكه فِيهِ .

– وَسُئِلَ الشبلي مَا الدُّنْيَا فَقَالَ قدر تغلي وكنيف يمْلَأ .

– وَسُئِلَ بِمَ يقمع الْهوى فَقَالَ : برياضات الطباع وكشف القناع .

– قال : لَيْسَ يخْطر الْكَوْن ببالي

وَكَيف يخْطر الْكَوْن ببال من عرف المكون .

– قَالَ رجل للشبلي ادْع الله لي فَأَنْشَأَ يَقُول :
(مضى زمن وَالنَّاس يستشفعون بِي … فَهَل لي إِلَى ليلى الْغَدَاة شَفِيع) .

– قال الحصري سَمِعت الشبلي يَقُول : أعمى الله بصرا يراني وَلَا يرى فِي آثَار الْقُدْرَة فَأَنا أحد آثَار الْقُدْرَة وَأحد شَوَاهِد الْعِزَّة لقد ذللت حَتَّى عز فِي ذلي كل ذل وعززت حَتَّى مَا تعزز أحد إِلَّا بِي أَو بِمن تعززت بِهِ وَمَا افترقنا وَكَيف نفترق وَلم يجر علينا حَال الْجمع أبدا .

– قال إِبْرَاهِيم بن ظريف سمعت الْجُنَيْد يقول للشبلي لَو رددت أَمرك إِلَى الله لاسترحت فَقَالَ الشبلي يَا أَبَا الْقَاسِم لَو رد الله أَمرك إِلَيْك لاسترحت فَقَالَ الْجُنَيْد سيوف الشبلي تقطر دَمًا .

– قال: قُلُوب أهل الْحق طائرة إِلَيْهِ بأجنحة الْمعرفَة ومستبشرة إِلَيْهِ بموالاة الْمحبَّة .

– قال : لَيْسَ من احتجب بالخلق عَن الْحق كمن احتجب بِالْحَقِّ عَن الْخلق وَلَيْسَ من جذبته أنوار قدسه إِلَى أنسه كمن جذبته أنوار رَحمته إِلَى مغفرته .

– قال أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي : كُنَّا يَوْمًا فِي بَيت الشبلي فَأخر الْعَصْر وَنظر إِلَى الشَّمْس وَقد تدلت للغروب فَقَالَ الصَّلَاة يَا سادتي وَقَامَ فصلى ثمَّ أنشأ يَقُول ملاعبة وَهُوَ يضْحك مَا أحسن قَول من قَالَ :
(نسيت الْيَوْم من عشقي صَلَاتي … فَلَا أَدْرِي غداتي من عشائي)
(فذكرك سَيِّدي أكلي وشربي … ووجهك إِن رَأَيْت شِفَاء دائي).

– رؤي الشبلي فِي يَوْم عيد خَارِجا من الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول :
(إِذا مَا كنت لي عيدا … فَمَا أصنع بالعيد)
(جرى حبك فِي قلبِي … كجري المَاء فِي الْعود)

– قال أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي: كنت وَاقِفًا على حَلقَة الشبلي فِي جَامع الْمَدِينَة فَوقف سَائل على حلقته وَجعل يَقُول يَا الله يَا جواد فتأوه الشبلي وَصَاح فَقَالَ : كَيفَ يمكنني أَن أصف الْحق بالجود ومخلوق يَقُول فِي شكله
(تعود بسط الْكَفّ حَتَّى لَو أَنه … ثناها لقبض لم تجبه أنامله)
(تراك إِذا مَا جِئْته متهللا … كَأَنَّك تعطيه الَّذِي أَنْت سائله)
(وَلَو لم يكن فِي كَفه غير روحه … لجاد بهَا فليتق الله سائله)
(هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي أَتَيْته … فلجته الْمَعْرُوف والجود ساحله)
ثمَّ بَكَى وَقَالَ بلَى يَا جواد فأنك أوجدت تِلْكَ الْجَوَارِح وَبسطت تِلْكَ الهمم ثمَّ مننت بعد ذَلِك على أَقوام بعز الِاسْتِغْنَاء عَنْهُم وَعَما فِي أَيْديهم بك فَإنَّك الْجواد كل الْجواد لأَنهم يُعْطون عَن مَحْدُود وعطاؤك لَا حد لَهُ وَلَا صفة فيا جواد يَعْلُو كل جواد وَبِه جاد كل من جاد .

– قَالَ أَبُو الْقَاسِم وَكنت يَوْمًا فِي حلقته فَسَمعته يَقُول الْحق يفنى بِمَا بِهِ يبْقى وَيبقى بِمَا بِهِ يفنى يفنى بِمَا فِيهِ بَقَاء وَيبقى بِمَا فِيهِ فنَاء
فَإِذا أفنى عبدا عَن إِيَّاه أوصله بِهِ وأشرفه على أسراره وَبكى وَأنْشد على أَثَره :
(لَهَا فِي طرفها لحظات سحر … تميت بهَا وتحيي من يُرِيد)
(وَتَسْبِي الْعَالمين بمقلتيها … كَأَن الْعَالمين لَهَا عبيد)
(ألاحظها فتعلم مَا بقلبي … وألحظها فتعلم مَا أُرِيد) .

– قَالَ وَسَأَلَهُ سَائل هَل يتَحَقَّق الْعَارِف بِمَا يَبْدُو لَهُ فَقَالَ كَيفَ يتَحَقَّق بِمَا لَا يثبت وَكَيف يطمئن إِلَى مَا لَا يظْهر وَكَيف يأنس بِمَا يخفى فَهُوَ الظَّاهِر الْبَاطِن الْبَاطِن الظَّاهِر ثمَّ أنشأ يَقُول :
(فَمن كَانَ فِي طول الْهوى ذاق سلوة … فَإِنِّي من ليلِي لَهَا غير ذائق)
(وَأكْثر شَيْء نلته من وصالها … أماني لم تصدق كلمحة بارق) .

– وَقَالَ رجل للشبلي هَل شَاهده أحد بحقيقته فَقَالَ الْحَقِيقَة بعيدَة وَلَكِن ظنون وأماني وحسبان وَأنْشد :
(وكذبت طرفِي فِيك والطرف صَادِق … وأسمعت أُذُنِي مِنْك مَا لَيْسَ تسمع)
(وَلم أسكن الأَرْض الَّتِي تسكنونها … لكيلا يَقُولُوا إِنَّنِي بك مولع)
(فَلَا كَبِدِي تهدا وَلَا لَك رَحْمَة … وَلَا عَنْك إقصاء وَلَا فِيك مطمع)
فَإِذا ترَاءى لَهُ تَحْقِيق حَال شوشه بالتلبيس والإشكال .

– سُئِلَ الشبلي إِلَى مَاذَا تحن قُلُوب أهل المعارف فَقَالَ إِلَى بدايات مَا جرى لَهُم فِي الْغَيْب من حسن الْعِنَايَة فِي الحضرة بغيبتهم عَنْهَا وَأَنْشَأَ يَقُول
(سقيا لمعهدك الَّذِي لَو لم يكن … مَا كَانَ قلبِي للصبابة معهدا) .

– وقيل له عند موته: ” قل: لا اله إلا الله ” فقال:

قال سلطان حبه: … أنا لا أقبل الرشا
فسلوه فديته … لم بقلبي تحرشا

توفي أبو بكر الشبيلي رحمه الله في ليلة السابع والعشرين من ذي الحجة عام 334 هـ، ودفن بمقبرة الخيزران.


تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي :
Previous Article

كتاب الإيضاح في الخير المحض لأرسطو طاليس

Next Article

أسرار العمر المديد والعيش السعيد (مدعومة بالعلم)

Related Posts