
أول من قدم حكاية نشوء قرطاج هو ﺗﻴﻤﺎﻭﺱ ﻣﻦ ﺗﺎﻭﺭﻣﻴﻨﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﺭﺥ ﻳﻮﻧﺎﻧﻲ عاش ﺣﻮﺍﻟﻲ 260-350 ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ حيث ذكر أنه قد تم تأسيسها في العام 814 ق. م على يد الملكة الاسطورة ديدو ” إليسار ” حيث كانت إليسار حسب ما تم نقله عنها أميرة من مدينة صور الفينيقية أُجبرَت على الفرار من مدينتها الأم مع مجموعة من مناصريها عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أن حط رحالهم في شمال إفريقية تحديداً في تونس وأنشأوا مدينة قرطاج والتي كان اسمها بلغتهم ” ﻗَﺮْﺕْ ﺣَﺪَﺷْﺖْ Qart – “ḥadšt קרתחדשת أية القرية الحديثة.
ونقلوا لهذه المدينة من موطنهم الأصلي عاداتهم ومعتقداتهم الدينية وبذلك كانت الديانة القرطاجية على صلة مباشرة بالديانة السورية الكنعانية .
من أشهر المصادر التي تحدثت عن هذه الحكاية أيضاً هي ملحمة فيرجيل الإنيادة حيث يذكر فيرجيل أن اليسار ” ديدو ” كانت أميرة فينيقية من صور والدها الملك بيلوس وكان لديها شقيق يدعى بجامليون كان بيلوس يعتزم تقسيم المملكة بينها وبين شقيقها لكن بعد وفاة والدها استولى شقيقها بجماليون على السلطة لنفسه وقتل زوجها سيخايوس بسبب ثروته التي خاف أن تستغلها شقيقته مع زوجها ضده.
حيث اعتبر بجماليون أخته تهديداً لسلطته وكان على استعداد لقتلها في سبيل السلطة .
يضيف فيرجيل أنه في أحد الليالي ظهر شبح سيخايوس لديدو في منامها وأخبرها بمكان ثروته وطالبها بالخروج من المدينة لأن أخاها سوف يقتلها في سبيل مطامعه.
وفعلاً وجدت ديدو الثروة كما قال لها الطيف في المنام وهربت مع مجموعة من الأتباع والمواليين و أبحرت عبر البحر المتوسط ووصلت في النهاية إلى شواطئ شمال إفريقيا حيث أسست مدينة قرطاج.
كما يذكر فيرجل أن إينياس الطروادي هرب بعد تدمير طروادة عبر المتوسط وشاءت الاقدار أن يحط رحاله مع رجاله في مدينة قرطاج حيث قابل إليسار ” ديدو” و نشأت بينهما علاقة حب بسبب سهم كيوبيد لكن إنياس اضطر لتركها لمتابعة رحلته مما دفعها للإنتحار حرقاً .
بغض النظر عن اسطورة إليسار التي كانت مروية من المرويات الإغريقية المتأخرة والتي وصلت إلينا من خلالهم العلم الحديث والأثار يثبت أن مدينة قرطاج هي مدينة أسساه الكنعانيون الفينيقيون في الشمال الإفريقي فأحضروا معهم حروفهم وعاداتهم وتقاليدهم وديانتهم من وطنهم الأم في الساحل السوري ويمكن ملاحظة هذا الكلام بمقارنة التشابه الشديد بين المعتقدات الدينية للقرطاجيين والفينيقين فالعديد من الآلهة التي كانت تعبد في قرطاج كانت مستمدة من آلهة فينيقية على الرغم من أنها في بعض الأحيان يتم إعطائها اسماء محلية كما نعلم الشمال الإفريقي لم يكن فارغاً بل كانت تستوطنه عدد من القبائل الليبية والتي اندمج معهم الفينيقيون وبالرغم من تأسيس المستعمرة الفينيقية لم تستقل قرطاج عن الارض الأم في سورية فنجد العشرات من النقوش تبين العلاقة بين فينيقية وقرطاج على سبيل المثال هذا ﻳﻮﺟﺪ النقش المميز الذي ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﻟﻴﻤﺎﺳﻮﻝ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﺹ ﻋﺎﻡ 1877 ﻡ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻠﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻳﻮﺿﺢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺻﻴﺪﺍ ﻭﻗﺮﻃﺎﺝ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﺗﺒﻌﻴﺔ ﻗﺮﻃﺎﺝ ﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺻﻴﺪﺍ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﻘﺶ سنكتبه الحرف الأرامي المربع :
סכן קרתחדשת עבד חרם מלך צדנם אז יתן לבעל לבנן אדני בדאשת נחשת
– ﺣﺎﻛﻢ ﻗﺮﻃﺎﺟﺔ ﻋﺒﺪ ” ﺣﻴﺮﺍﻡ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺼﻴﺪﻭﻧﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﻰ ﻟﺴﻴﺪﻩ ﺑﻌﻞ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﻧﺰ ﺍﻟﻤﻤﺘﺎﺯ “
ﻧﻔﻬﻢ ﺃﻥ ﺣﺎﻛﻢ ﻗﺮﻃﺎﺝ ﻫﻮ ” ﻋﺒﺪ ” ﻭﺗﺎﺑﻊ ﻟﺤﻴﺮﺍﻡ ﻣﻠﻚ ﺻﻴﺪﻭﻥ ﻭﺍﻋﻄﺎﻩ ﺗﻤﺜﺎﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻭﻧﺰ ﻟﺴﻴﺪﻩ ” ﺃﺩﻭﻧﻲ ” ﺑﻌﻞ
ﻭﺍﻟﻌﺒﺪ ﻫﻨﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻟﺨﺎﺩﻡ .. ..
ﺍﻟﻨﻘﺶ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﺭﻳﺲ .
-بعل حامون واشكالية النذور البشرية :
ومن أشهر الألهة التي تمت عبادتها في قرطاج هما بعل حامون وتانيت و اللذان شكلا معاً الزوج الإلهي الأعلى في البانثيون البونيقي.
– بعل حامون أو أمون :
كلنا نعلم معنى كلمة بعل وهي السيد أو الرب الموجود في العالي معنى حامون او امون بصراحة غير واضح توجد الكثير من الإفتراضات أهمها :
– بعل + أمون بالتالي كان جمع بين الإله بعل الكنعاني والإله اللوبي أمون وخصوصاً من ناحية الرمزية الخاصة بينهما في القرون وكون الاله بعل تم تعريفه في بعض المواقع الكنعانية الهاً شمسياً زراعياً وأمون كذلك الامر اله شمسي وزراعي ففكرة دمجهما كانت على ما يبدو كنوع من التعايش بين الشعبين الليبي والفينيقي لذلك باعتقادي هو افضل إحتمال.
– بعل + حَمون أي رب وسيد جبال الأمانوس وحمون هي التسمية الاوغاريتية لجبل الأمانوس بتفكيكها ” حمَن + وس ” .
ازدهرت عبادة بعل حمون في مستعمرة قرطاج الفينيقية حتى غدا رأس البانثيون البونيقي يعتقد أن احتلاله المركز المتقدم بين الآلهة القرطاجية يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد .
بعض الدارسين يربط بعل حامون بإيل الكنعاني وخصوصاً أن إيل تم ربطه بكرونوس واقدم من ربطه بكرونوس هو فيلو الجبيلي ” من جبيل ” و بعل حامون أيضاً تم ربطه بكرونوس من قبل الكتاب الرومان والأغريق والبعض الأخر ربطه بداجون كإدوارد ليبينسكي .
كان بعل حامون مرتبطاً بشكل خاص بالكبش لذلك كان يعرف أحيانا ببعل قرنيم اي ” رب القرنين ”
وفي التعريفات الإغريقية تم ربطه بالإله كرونوس وفي التعريفات الرومانية تم ربطه بساتورن .
بعد هذا التقديم بسيط لحكاية قرطاج و تعريف بسيط لبعل حامون راس البانثيون القرطاجي سنبدأ بمناقشة أكثر الطقوس إثارة للجدل ألا وهي التضحية المزعومة بالأطفال التي ألصقت بالكنعانيين بشكل عام القرطاجيون بشكل خاص وذلك خدمةً للكتاب المقدس ” التناخ ” حيث نرى اليوم أشهر مبرر من دعاة الكتاب المقدس لتبرير الإجرام الذي طال الكنعانين أنه عقاب من الرب لهم لأنهم كانوا يضحون بأطفالهم حتى لو لم يكن بعض هذا الإجرام مثبت او له أية قيمة تاريخية لكن التغني بالإرهاب إرهاب ومنهج عمل يمكن ان يستمر لليوم لأنه نابع من نص مقدس.
يفترض التوراة وجود إله كنعاني إسمه ملوخ هو مرتبط بعملية التضحية بالأطفال وكتابة الاسم تكون بالشكل מלך طبعاً حروف العلة لا تدون في كل المواضع بالتالي يُرجح معنى الاسم ملك
اقترح بعض العلماء أن مولوخ لم يكن اسم الإله ولكنه كان نوعاً من التضحية بدلاً من ذلك .
هذه النظرية يتم رفضها عموما من العلماء الذين يعتبرون عادة مولوخ إلهاً وهؤلاء يقسمون لقسمين منهم من يعتبر ملوخ إلهاً محلياً ويتم ربطه ببعل ومنهم من يعتبره إلهاً مستورداً .
على أي حال ذُكر في التدوينات التناخية والتدوينات الإغريقيةوالرومانية أن التضحية بالأطفال قد مارسها الفينيقيون و مع ذلك هذه القضية ليست واضحة وهناك خلافات حول ما إذا كان هذا النوع من التضحية البشعة قد قام بها القرطاجيين بالفعل؟
من بين المؤلفين القدامى الذين دونوا حكاية التضحية بالأطفال على سبيل المثال الإغريقي كليراتشوس و الكاتب الروماني بلوتارخ والمؤرخ اليوناني ديودوروس الصقلي بالإضافة إلى ذلك يذكر الكتاب المسيحيين الأوائل ترتليان وأوروسيوس أيضًا تضحيات الأطفال القرطاجيين في كتاباتهم.
بالنسبة لعلم الأثار لم يقدم دليلاً كافياً يدعم التضحية بالأطفال حيث تم العثور في المناطق التي كان يحكمها القرطاجيون على مقابر تستخدم خصيصاً لدفن الأطفال والرضع يستخدم المصطلح ” توفة ” Tophet هو مصطلح مشتق من الكتاب المقدس يستخدم للإشارة إلى موقع بالقرب من القدس حيث ضحى الكنعانيون بالأطفال هناك على حد زعم الكتاب المقدس الذي يمكن ترجمته إلى “مكان الحرق” لوصف هذه المقابر ويستخدم الآن كمصطلح عام لجميع هذه المواقع مع بقايا بشرية وحيوانية محترقة والتي كانت موضوعة في الجرار مع ملاحظة أن الحيوانات كما يظهر في أحد النقوش كانت بديلاً للأطفال.
يرى قسم من العلماء أن أولئك الذين دفنوا في هذه المقابر لم يكونوا ضحايا للتضحية ولكنهم ماتوا لأسباب طبيعية يظهر هذا على سبيل المثال في دراسة لبقايا الأسنان من 540 طفلاً نُشرت في عام 2010.
حيث يقول مؤلفوا الدراسة ، جيفري شوارتز ، فرانك فرانكتون ، روبرتو ماكياريلي ، ولوكا بونديولي ، بأن غالبية الذين دفنوا في المقبرة كانوا إما من الأطفال المولودين حديثاً أو أجنة تم إجهاضها وقد استخدمت هذه الدراسة لدحض فكرة أن القرطاجيين ذبحوا أطفالهم كممارسة لطقوس نذرية لأن الأفراد المدفونين في المقبرة لم يكن من الممكن إعتبارهم تضحيات حية فهم ميتون قبل الحرق و الدفن.
قامت بنقد هذه الدراسة باتريشيا سميث عالمة أنثروبولوجيا في الجامعة العبرية بالقدس التي تقول إن المؤلفين أخطأوا في تقدير عمر الأطفال وهذا يعني أن أولئك الذين دفنوا في المقبرة لم يكونوا أفرادا ميتين أو أجنة بل كانوا أطفالًا بعمر حوالي شهر طبعاً كما يبدو دراستها كانت من منطلق ديني ليدعم الكتاب المقدس.
بالنسبة لي طبعاً رأي شخصي وغير مُلزم :
من أقدم من تحدث عن التضحية البشرية بالأطفال عند القرطاجين كان ﻛﻠﻴﺮﺍتشوﺱ Cleitarchus حيث إعتبر بعل حامون هو كرونوس .
ﻟﻢ ﻳﻨﺠﻮﺍ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل كليراتشوس إﻻ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻻ ﺗﺬﻛﺮ ﻭﻣﺎ ﻭﺻﻞ ﺍﻟﻴﻨﺎ ﻭﺻﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺆﺭﺧﻴﻦ أﺗﻮ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻳﻌﺘﺒﺮ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ وخصوصاً في العبارة التي إستخدمها عندما وصف إلقاء الأطفال بالنار وهي ” ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺿﺤﻜﺎً ”
كما يستندون ﺍﻟﻰ Diodorus Siculus ﺩﻳﺪﻭﺭ ﺍﻟﺼﻘﻠﻲ ﻃﺒﻌﺎً ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻠﻘﺮﻥ الأول ﻕ . ﻡ معاصر لليهودية يقول أن القرطاجيون ضحوا بأنبل أبنائهم للإله وفي فترات لاحقة إشتروا أطفالاً وربوهم للتضحية بهم وهنا نشكك بالرواية كونها من مصدر غير محايد ﻣﺎ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻞ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻣﻌﺎﺩﻱ ﻟﻬﻢ ﺃﻭ ﺍﻧﻪ ﺍﺳﺘﻨﺪ ﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻋﻨﻬﻢ ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻊ ﺗﻨﺎﻣﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻻﺯﺩﺭﺍﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺒﺮﺑﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ الهلنستية .
أما بوﺭﺗﺎﺭﺥ ﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﻗﺮﻳﺐ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻠﻘﺮﻥ ﺍﻻﻭﻝ ﻣﻴﻼﺩﻱ ﻭﻫﻮ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﻦ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻻﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﺔ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺎﺱ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺗﻠﻤﻴﺬﺍً “لأﻣﻮﻧﻴﻮﺱ ﺳﺎﻛﺎﺱ ” ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻣﺼﺪﺭﺍً ﻧﺰﻳﻬﺎً فالحكاية التي تم نسبها للكنعانين بتلك الفترة كانت في أوجها فوجوده بالأوساط المسيحية اليهودية تجعله عرضة للتأثر بهذه الحكاية ببساطة.
أما بقية المورخين المسيحين هم رواة مشكوك بنزاهة روايتهم لأنهم محكمون بما يقوله الكتاب المقدس بالتالي لا يعتبرون مصدراً نزيها.
إذاً ما السر حول هذا الإجماع على هذه الحكاية ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ من قبل المؤرخين الإغريق والرومان والمسيحيين الأوائل؟
بالنسبة للروايات الإغريقية والرومانية كل روايات التي تمت كتابتها عن التضحيات بالأطفال كانت من خلال أعداء قرطاج وبالتالي قدموا روايات كنوع من الدعاية السلبية لتقديم القرطاجيين كهمج مع تنامي النظرة الاستعلائية للإغريق ومن بعدهم الرومان تجاه الشعوب التي أسموها بربرية ووصلت ذروة هذه الدعاية بعد تدمير قرطاج من قبل الرومان كنوع من التبرير وإظهار القرطاجين كوحوش وعديمي الإنسانية بذات الاسلوب الذي يتبعه مبشري الكتاب المقدس في إظهار الكنعانين كوحوش يقتلون أطفالهم كنذور للأصنام.
كما نلاحظ في الرواية الأقدم لكليراتشوس أنه ربط بعل حامون بالإله الإغريقي كرونوس ” ساتورن ” ﻣﻌﺮﻭﻑ عن كرونوس ﺍﻟﺘﻬﺎﻣﻪ ﻟﻸﻭﻻﺩ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﺜﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﻭﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﺑﻨﻪ ﺯﻳﻮﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ و ﻛﻤﺎ نعلم أﻥ ﻛﺮﻭﻧﻮﺱ ﻣﺮﺗﺒﻂ بكوكب ﺯﺣﻞ ﻭﻛﺎﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﺯﺣﻞ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻷﻭﺑﺌﺔ ﻭﺍﻷﻣﺮﺍﺽ والحروب والمجاعات ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻮﺕ ﺿﺤﻴﺘﻬﺎ ﺃﻻﻑ الأطفال ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﻂ ﻃﺒﻴﻌﻲ لأﻥ ﺍﻻﻃﻔﺎﻝ ﺩﻭﻣﺎً ﻫﻢ ﺍﻟﻀﺤﻴﺔ في الحروب والمجاعات والأمراض بالتالي افترض كما الدراسة الأولى أن الأطفال كانوا ميتين أصلاً و ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪﻓﻦ ﺑﺎﻟﺠﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺑﻘﺮﻃﺎﺝ ﻫﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻋﺪﺓ ﺗﺪﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﻠﺮﺣﻢ بالنسبة لحرق ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺜﺚ ﺭﺑﻤﺎ ﻣﺮﺗﺒﻂ بعملية التطهير فقد عُرف عن الكنعانين استخدام النار في عملية التطهير والتنقية أما وجود جرار تحتوي قرابين حيوانية يُحتمل أنه قد تم تقديمها للألهة لحماية من بقي لديهم من ﺍﻻﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﺟﻴﻦ من هذه الكوارث.
أما ﺗﺠﻤﻴﻊ ﺍﻻﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ أو مدفن واحد هي عادة ﻣﻨﺘﺸﺮ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺳﻮﺭيا ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺒﻮ ﺍﻭ ﺍﻟﻜﻬﻒ تحت الأرض ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻢ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺸﺨﺎﺷﺔ .
إذا يمكن أن نقول وجود مقبرة التوفة في قرطاج كما رأينا قد خلق شرخاً بين مؤيدن للنذور البشرية ومعارض لها فأغلب المناصرين الحديثين لنظرية النذور البشرية قدموا طروحاتهم ليثبتوا مزاعم توراتية وأعتمدوا على أدلة بينت ضعفها من ناحية السردية التاريخية كونها من مصدر غير محايد و من جهة آخرى أركيولوجية بينت إنقسام مدرستين في تفسير اللقى لكن يجب الإنتباه أن الرواية في الكتاب المقدس حول نذور ملوخ كانت إتهاماً مباشراً لكنعاني سوريا حتى ان كتابهم المقدس حدد مكان التوفة ” مكان الحرق ” قريباً من القدس لكن إذا كان هناك إحتمال ضئيل حول تقديم النذور البشرية في قرطاج نتيجة التداخل مع عادات وتقاليد المجتمع الجديد الذي إنصهر به الفينيقيون أي شمال إفريقية فإنه في سوريا الإحتمال بنظري شبه معدوم و يبين كذب الرواية التوارتية وذلك نتيجةً لعدة ملاحظات :
مثلاً ﺩﻳﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ذكر القرابين البشرية ﻓﻲ قرطاج ضمن ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻋﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﺍﺑﺪﺍً أﺿﺎﺧﻲ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻻﺩﻧﻰ ﻋﻠﻤﺎً ﺍﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺪﻩ … ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻧﻌﻮﺩ ﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﺎﺭﻭﻱ ﻟﻪ ﻭﻣﺎ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ والظرف التي مرت على المنطقة المتمثلة بالحروب الونيقية المتتالية وتنامي نظرة الإزدراء من البرابرة في شمال إفريقية.
كما أن إنعدام اللقى الأثرية التي تثبت هذه الحكاية في سوريا وحتى العراق نضيف إليها أﻥ ﺍﻟﻤﺪﻭﻧﺎﺕ ﺍﻻﺛﺮﻳﺔ بدءاً ﻣﻦ ﺍﻻﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﻧﺬﺭﺍً ﺑﺸﺮﻳﺎً ﻭﺍﺣﺪ أﻭ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﻴﻦ ﻧﺬﺭﻳﺔ ﺯﺭﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺰﺭاعية ﻛﺎﻟﺨﺒﺰ والنبيذ ﺗﺘﻤﺤﻮﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻄﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﻄﻬﺮ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ﻭﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻭﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺒﻴﺬ ﻭﺍﻟﺒﻴﺮﻩ ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺣﻢ ﻭﺍﻻﺳﺎﻃﻴﺮ ﻓﻜﺎﻥ أﻛﻞ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺷﺮﺏ ﺍﻟﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻼﺋﻢ ﺍﻟﺘﺤﻀﺮ ﻭﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻻﻟﻬﺔ ﻛﻤﺎ ﻧﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﺟﻠﺠﺎﻣﺶ ﻭﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﺮﻧﻴﻤﺔ ﻟﻨﻴﻜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻭﺳﻂ ﻛﻨﻌﺎﻧﻲ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺑﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ ﻟﻸﻟﻬﺔ ﻧﻴﻜﺎﻝ … ﻭﻓﻲ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺒﻌﻞ ﻳﻄﻠﺐ ﺑﻌﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﺕ أﻛﻞ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺷﺮﺏ ﺍﻟﻨﺒﻴﺬ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ في المسيحية ﺟﺴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ ﻭﺩﻣﻪ .
حتى في المناطق الرعوية في سورية لانجد أي إشارة لنذور بشرية فنذور ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ في تلك المناطق هي نذور ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻢ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ أﻭ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺗﺒﻌﺎً لخلفيتهم البدوية الرعوية ﻭﻳﻤﻜﻨﻚ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻛﻼﻣﻲ عن طبيعة القرابين ﺑﻘﺼﺔ ﻗﺎﺑﻴﻞ ﻭﻫﺎﺑﻴﻞ ﻓﺎﻟﺮﺍﻋﻲ ﺗﻢ ﻗﺒﻮﻝ ﻧﺬﺭ ﺍﻟﺪﻡ ﻣﻨﻪ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺰﺭﺍﻉ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻗﺪﻡ ﻗﺮﺑﺎﻧﺎً ﺯﺭﺍﻋﻴﺎً ﺭﻓﻀﻪ يهوه ﻻﻧﻪ إله رعوي ﻳﻔﻀﻞ ﺍﻟﻨﺬﻭﺭ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﻋﻮﻱ .
Amjad Sijary