
حياته ونشأته
ولد فرفوريوس في مدينة صور وهي احدى المدن الفينيقية في ولاية سوريا الرومانية (في لبنان الآن) ، تقريباً في العام 234 م.
وكان اسمه “مالكوس” والتي تعني “ملك”، ومن ثم أصبح “باسيليوس” والتي تعني (“ملك”) باللغة اليونانية , ومع ذلك كان يُطلق على نفسه اسم فرفوري الذي اطلقه عليه لونجونيوس من الكلمة اليونانية πορφυρό والتي تعني الارجواني او البنفسجي طبعاً كون الفينيقين يرتبطون باللون الارجواني تذكيراً له بمنشأه او لانه يلبس اللون الارجواني دائماً .
لا يُعرف سوى القليل عن عن حياته، باستثناء ما يمكن معرفته وجمعه من كتابه عن حياة أفلوطين الإسكندراني الموسوم بالعنوان ” حياة أفلوطين “.
قبل مجيئه للدراسة مع أفلوطين في روما عام 263 م ، درس مع المعلم الأفلاطوني الأوسط لونجينيوس الحمصي في أثينا .
وفي روما اقام فيها خمسة سنوات تحول فيها إلى الأفلاطونية المحدثة التي أنشأها أفلوطين الأسكندراني وبناءً ومان على علاقة وثيقة به علاقة تلميذ واستاذ وبناءً على نصيحة الأخير في العام ٢٦٨ م غادر روما متوجهاً إلى صقلية من أجل التعافي من نوبة إكتئاب بقي هناك حتى بعد وفاة أفلوطين في العام ٢٧٠م .
للأسف بقية تفاصيل حياته بعد تلك المرحلة مجهولة لا يعرف عنها اي شيء سوى بعض المعلومات الغير موثوقة عن قيامه بتأسيس مدرسة روما للأفلاطونية المحدثة .
كان من أهم تلاميذه الفيلسوف يامبليخوس بالرغم من اختلافهما وانقلاب الأخير عليه فكرياً في بعض الأمور وخصوصاً فيما يتعلق بالسيمياء لكن هذا لم يمنع التأثير القوي لفرفوريوس عليه.
قام فرفوريوس بتحرير كاتابات افلوطين وجمعها في كتاب التاسوعات حيث قسم الكتاب إلى ستة اجزاء ويتكون كل جزء من تسعة رسائل فلسفية .
كان فرفوريوس مؤلفاً غزير الإنتاج كتب عن مجموعة كاملة من المواضيع هناك ستون عملاً منسوبة إليه ، ولكن معظمها الآن ضائع أو ضمن شظايا .
أعماله
– حياة افلوطين
– حياة فيثاغورس
– رسالة إلى مارسيلا
– عن الامتناع في تناول الطعام من الحيوانات
– نقطة البداية المؤدية إلى التفكير عادة يسمى هذا الكتاب ب” The Sententiae” الأراء .
– إساگوجي
-على كهف الحوريات
– تعليقات على تصنيفات أرسطو وتوفيقات بطليموس .
– اجزاء من تاريخ الفلسفة وعدد من شظايا بعض الأعمال الخاصة بعلم النفس .
-كما كتب عن مواضيع متنوعة مثل القواعد اللغوية وعلم اللغة والبلاغة والهندسة.
-وكتب أيضاً “ضد المسيحيين” ربما يكون هذا الأكثر شهرة فرفوريوس لكن من هذا العمل الكبير نجا بعض الشظايا فقط بسبب حرق اعماله كونه معارض للمسيحية من قبل المتعصبين اللذين قاوموا وقمعوا افكار من يخالفهم بحرياً وخصوصاً بعد تبني الامبراطورية الرومانية للدين المسيحي.
في دراسة لجوزيف بيدز الضخمة ،حياة فرفوريوس (1913) La vie de Porphyre صور بيدز فرفوريوس كشخص معارض للدين والخرافات الدينية وان غدا مفكر وفيلسوف عقلاني نتيجة إقامته مع أفلوطين لكن الأبحاث الحديثة والقراءة في اعمال فرفوريوس توضح انه لا يوجد ما يدعم هذا التصور الذي وضعه بيدز فأعماله توضح أن فورفوريوس كان يهدف إلى قراءة مختلفة للدين والقصص الدينية الأسطورية ومحاولة عقلتنها بإعطاءها أبعاداً رمزية
حيث طبق مذاهب الأفلاطونية الحديثة على الديانة الوثنية التقليدية والأساطير وكان في كثير من النواحي مفكرا منفتحاً أكثر إهتماماً من معلمه أفلوطين بتطبيق الفلسفة الأفلاطونية على مختلف المجالات بالتالي كان هو العماد الرئيسي والناشر الحقيقي للأفلاطونية الحديثة بدلاً من أفلوطين .
فلسفته
قبل أن يلتقي فرفوريوس بأفلوطين كانت وجهات نظره الفلسفية قد شكلها لونجونيوس الحمصي ونومينيوس الأفامي وغيرهم من فلاسفة الأفلاطونية الوسطى بالإضافة طبعاً لأفلاطون وأرسطو وغيرهم من أعمدة الفلسفة اليونانية الكلاسيكية ، وبعد اللقاء مع أفلوطين تحول إلى أحد أتباعه وتأثر به بشكل كبير وبالرغم من التأثر الكبير بأفلوطين لم يمنع من ظهور الأفلاطونية الوسطى في أعمال فوفوريوس اللاحقة .
بالنسبة لأفلوطين وفرفوريوس هناك فجوة بين العالم المحسوس والعالم المعقول، والعالم المعقول يحتوي على ثلاثة أقانيم أو مستويات وجودية :
– هم الواحد والفكر ( العقل ) والنفس :
1 – الواحد وهو السبب الأول لكل شيء آخر، يتميز بالوحدة المطلقة والتي تجعله يفوق التفكير ويتجاوز الوصف في اللغة .
2 – العقل (الفكر ) هو مجال الوجود الحقيقي الموضح بالأشكال الأفلاطونية والتي تفيض من خلال الفكر الكوني .
3 – النفس وهي أدنى الأقانيم الروحية هي العنصر المعقول المسؤول مباشرة عن العالم المحسوس . بالتالي هي آخر العلل المعقولة أي انها آخر العلل في العالم المعقول، وأول العلل في العالم المحسوس، بالتالي تحتل بين الموجودات مرتبة وسطى: فهي إلهيّة في جزء منها، ومحسوسة بالفعل كونها على تخوم العالم الطبيعي المحسوس لذلك تعطي هذا العالم شيئأً من ذاتها ويصدر عنها النفوس الجزئية نتيجة طبيعية وضرورية لقانون الصدور أو الفيض لكن هذه الأنفس الجزئية تتبعثر في المادة لكن تبعثرها في المادة واندماجها بها يؤدي إلى حياتها .
العالم الحسي هو صورة ناقصة وغير تامة من عالم المعقول ويتكون أيضاً من مستويات :
– كائنات حية ، منها كائن واحد فقط عقلاني يتربع كأول المستويات ثم تليه الكائنات الأخرى، وفي أسفل المستويات توجد المادة والأجسام المختلفة الجامدة فهي ليست كائنات حية لكنها أيضاً نشاط النفس الإبداعية التي تشكل كيانات غير مفهومة .
تتسم العلاقة بين هذه المستويات بشكل عام ضمن نشاط مزدوج كل مستوى يسعى للمستوى الأعلى عن طريق نشاط داخلي يرافقه قوة خارجيه وهو ذات العلاقة بين النموذج والتقليد في الأفلاطونية الكلاسيكية .
– يمكن أن نقول أن البشر ينتمون من خلال الجسد الذي يعتبر مقر الرغبات والنفس الحسية والادراك الحسي و إلى العالم الحسي وينتمون للعالم المعقول من خلال العقل ( الفكر ) .
و الإنسان الحقيقي هو المعرف بالعقل فقط وينتمي للعالم الحقيقي عالم المعقول لذلك مهمة الإنسان في هذا الوجو هو تحرير أنفسهم من المادة عن طريق التخلص من التبعية للمادة والصفات النفسية السلبية التي يحملها الارتباط بالمادة كالغرور والتهور والتي تؤدي إلى تطهير النفس فالنفس المتطهّرة هي التي ترتقي تتخذ مكانها في عالم المعقول .
ففي الدرجات العليا بعد كل الإرتقاءات يختفي الشعور بالشخصية، ويزول الانتباه إلى الأشياء الخارجية. فيعتبر الشعور هو حالة ضعف ، والذاكرة، والإحساس هي محددات ومثبطات للحياة الروحية.
في فلسفة الأسطورة
في التقاليد الأفلاطونية قبل فرفوريوس ، قام بلوتارخ و أفلوطين بتفسير الأساطير اليونانية الكلاسيكية على أنها رموز فلسفية ( التأويل ) في الحقيقية كان الرواقيون أول من أسس هذه الممارسة ومع ذلك ، فإن فورفوريوس يأخذ هذا أبعد بكثير من سابقيه الأفلاطونيين ويقوم به بطريقة أكثر منهجية. تم الكشف عن هذا على سبيل المثال ، في موقفه من هوميروس ، التي يعطي نصوصها معنى خفياً وفلسفياً وراء المعنى الحرفي، وكان أيضاً أول أفلاطوني يعلق على أوراكل الكلدان ” الوساطة الروحية الكلدانية ” ، وهو نص ديني وثني تم تجميعه في القرن الثاني الميلادي ، والذي أخذه الأفلاطونيون الجدد في وقت لاحق من أجل الوحي الإلهي.
من الخصائص المميزة للأفلاطونية ما بعد يامبليخوس الأفامي من 330 م تم اعتبار الدين والشعائر الدينية وحتى السحر الأبيض ( السيمياء) طريقة بديلة لخلاص الروح ، بجانب الفلسفة.
لم يشارك فرفوريوس هذا الخصائص ولم يرفض السحر بصراحة ، لكن يبدو أنه قصر استعماله فقط على المجال الطبيعي المحسوس ولم يعتبره وسيلة لإقامة اتصال مع العالم المعقول كما تفعل الفلسفة.
وكما بينا في مقال سابق كان الخلاف بينه وبين تلميذه يامبيلخوس مؤسس مدرسة أفاميا حول هذه النقطة بالتحديد لكن هذا لا يمنع أن تفسيره واهتمامه بالمسائل الدينية ، فتح للتطورات التي قام بها يامبليخوس والتقاليد اللاحقة للأفلاطونية الوثنية.
حواشي مساعدة
1 – الأفلاطونية الكلاسيكية :
تعتمد بشكلٍ أساسي على نظرية المُثُل، حيث تقوم على فكرة أنَّ العالم الذي نلمسه ونختبره من خلال الحواس هو عالم غير حقيقي بل هو عالم مشابه أو مستنستخ من العالم الحقيقي بصورة غير كاملة.
2 – الافلاطونية الوسطى :
استوعبت الأفلاطونية الوسطى العديد من المذاهب الفلسفية المنافسة لها وخاصة الرواقية. واخذت من افكارها بالاضافة للأفكار الأفلاطونية الكلاسيكية كحرية الإرادة و خلود الروح ، كما اعتبرت الواحد متعال ويعمل من خلال ألهة وسطاء والتي هي تماثل آلهة و شياطين الدين التقليدي. وكان دمج هذه الأفكار مع الفيثاغورية المحدثة وغيرها من الفلسفات الشرقية خطوة مهمة أدت إلى نشوء وتطوير الأفلاطونية الحديثة.
3 – التوحيد عند فرفوريوس وافلوطين هو ذاته التوحيد عند الإسماعيلية وعدد من المذاهب الاسلامية المسماة الباطنية كذلك عملية التأويل المستخدمة في تفسير القرآن والموجودة عندهم واعطاء النص بعداً فلسفياً عميقاً كونهم حملة لواء الأفلاطونية الحديثة في الإسلام وكونهم امتداد لهذه المدرسة السورية المصرية .
4 – الأفلاطونية الحديثة .
5 – السيمياء : ﻫﻲ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻄﻘﻮﺱ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﻣﻊ العالم الماورائي وموجودياته التي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻟﻬﺔ ﺃﻭ ﺇﺣﻀﺎﺭها أو ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﻣﻌﻬﺎ ﺃﻭ من أجل ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ومن الخطأ ربطها باﻟﺸﻌﻮﺫﺓ وهذا الخطأ يقع فيه الكثيرون.
Amjad Sijary