
هل هناك أحدٌ في العالم لم يتأثر بالضوضاء؟ الأشخاص المحظوظون هم الذين يعيشون في بيئةٍ نقيةٍ صوتياً في عصرٍ بات كل شيءٍ فيه يتكلم ويصيح ويضج . إن تلوث الغلاف الجوي ليس النوع الوحيد من التلوث الذي يضر بالكائنات الحية على هذا الكوكب فهناك العديد من الأنواع المختلفة للتلوث الذي يعتبر من أخطر المشاكل التي يعاني منها الإنسان حيث ينتج عنه الكثير من الأمراض والمشاكل الصحية التي تضر بصحة الإنسان وتعَدُّ الضوضاء مرضاً ومشكلةً تواجه العالم بالاجتماع مع الملوثات الأخرى التي تزداد يوماً بعد يومٍ، وقد انتشرت العدوى بها حتى طالت المجتمعات كلها، ووصلت إلى المناطق البدائية لتساهم في تلويثها وزعزعة تجانسها. سنتحدث في مقالنا هذا عن أنواع الضوضاء وأسبابها وآثارها وطرائق معالجة آثارها؛ لذا تابعوا معنا.
تعريف التلوث
هو عبارة عن مجموعة من الأضرار والمخاطر التي تضر بصحة البيئة وتؤدي إلى تخريبها. حيث ينتج التلوث بسبب الأفعال الخاطئة والغير سليمة التي يقوم بها البشر والتي تتسبب في الكثير من الأضرار والمخاطر لجميع ما يوجد في البيئة من كائنات ونباتات. بالإضافة إلى ذلك فهو يؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة المعدية التي لا يصعب على الإنسان التخلص منها بسهولة .
أنواع التلوث الضوضائي
1 – التلوث البصري
2 – التلوث السمعي
3 – التلوث الإعلامي
التلوث البصري
هو عبارة عن المناظر والمشاهد السلبية الغير مرغوب فيها والتي تؤثر بشكل سلبي على طبيعة وجمال منطقة معينة.وانتشار المظاهر المشوهة الباعثة على الانزعاج والتوتر حيث يتضمن التلوث البصري اللافتات الإعلانية وصناديق القمامة وأبراج الهاتف التي توجد في الشوارع والإنشاءات والمباني قبيحة الشكل وغيرها من المصادر الأخرى.ويعتبر التلوث البصري من أخطر التلوث التي تضر بصحة الإنسان وتؤثر عليه بشكل سلبي.
أسباب وأشكال التلوث البصري
1 – مناظر الأدخنة المتصاعدة من المصانع وعوادم المركبات وغيرها.
2 – مناظر النفايات والحشرات والروائح الكريهة المرتبطة بها.تعد صناديق القمامة والمخلفات من أشكال التلوث البصري والمظاهر المزعجة والمؤذية .
3 – مناظر الشواطئ الملوثة بمخلفات المصانع.
4 – مناظر العشوائيات وسوء التنظيم العمراني.ولقد أدت الزيادة السكانية إلى حدوث الكثير من الأزمات في المجتمع حيث أصبح الكثير من الأشخاص يلجئون إلى المقابر. ويتخذونها سكنا لهم فهذا يعد من إحدى أشكال التلوث البصري الذي يضر بالنفسية العامة للإنسان.
5 – انتشار غابات الإسمنت وانحسار الغابات الخضراء.
6 – تلوث التربة : يعتبر تلوث التربة من إحدى أشكال التلوث البصري حيث ينتج هذا التلوث بسبب استخدام المواد الكيميائية الضارة والسامة. حيث تتسرب هذه المواد إلى التربة وبالتالي تؤثر على نمو النباتات والحيوانات والطيور وقد يصل الأمر إلى موت النباتات والحيوانات.
7 – تلوث المياه : يرتبط تلوث المياه ارتباطا وثيقا بالتلوث البصري حيث نرى الكثير من الأشخاص الذين يتواجدون في المناطق الريفية بإلقاء القمامة والنفايات وروث الحيوانات في المياه. وبالتالي يؤدي ذلك إلى التلوث البصري وانبعاث الروائح الكريهة وانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة.
التلوث السمعي
هو التلوث الناتج عن الأصوات المزعجة المختلفة مثل أصوات الآلات، والأجهزة الكهربائية، ووسائط النقل، والورش الصناعية وغيرها من الأصوات التي تؤثر سلباً في نمط الحياة الهادئ والصحي.
ولعل الزيادة السكانية، وارتفاع نسبة الساكنين في البيت الواحد أو الوحدات السكنية المكتظة، ومفرزات الحضارة الحديثة، والتكنولوجيا؛ هي من أهم المصادر المسببة له، والتي يمكن حصرها بالآتي :
أسباب وأشكال التلوث السمعي
1 -وسائط النقل المتنوعة: سيارات، وطائرات، وقطارات، وسفن وغيرها.
2 – روتين الحياة اليومية: بقدر الراحة والرفاهية التي جلبتها تكنولوجيا الحياة، أفرزت سلبياتٍ ومشكلات ضد الإنسان، من الأجهزة الكهربائية المستعملة في كل منزلٍ، كالغسالة والمكنسة الكهربائية والمكيفات والتلفاز ومكبرات الصوت والمراوح وغيرها. وتزداد خطورة هذه الأجهزة في الوحدة السكنية وتجاور الشقق، وخاصةً في حال ترافقت مع حركةٍ مروريةٍ وأصوات الآليات، وتجاوز المدة الزمنية لسماعها أكثر من 3 ساعاتٍ.
3 – ضوضاء العمل: من أصوات الآلات الصناعية ومكنات الورش وسماعها يومياً لأكثر من 6 ساعاتٍ.
4 – مصادر أخرى للتلوث السمعي كالنشاز الصادر عن الأغاني الهابطة والموسيقى العصرية التي يغلب فيها الإيقاع والطبول على الأنغام المضبوطة، وأكبر فئةٍ تتعرض لهذا النوع من التلوث هي المراهقون .
تُقاس شدة الصوت بالديسبل، وهو مقياسٌ للضغط المتشكل عن الموجات الصوتية المتولدة من مصدرها ورمزه DBA.
بالنسبة إلى الإنسان هو قياس قوة إزاحة الهواء من الرئتين وطرده إلى الخارج عبر الأنف مروراً بالحبال الصوتية، مع العلم أنَّ قدرة البشر على الصياح بأعلى صوتٍ لا تتجاوز الـ 100 ديسبل.
ويتراوح مستوى الضوضاء بين 30 إلى 150 ديسبل، ومع ارتفاع أحاديث الهمس والهدوء والراحة تحتاج إلى مستوى بين 30 إلى 50 ديسبل، وعند ارتفاع الصوت في المنزل وخارجه وازدحام الشوارع يصل المستوى إلى 70 ديسبل.
بينما ترفع أصوات الورش والمكنات الصناعية مستوى الضوضاء إلى 90 ديسبل، وهذا يُعَدُّ ضاراً وغير قانونيٍ حسب القوانين الغربية. وعند تجاوز مستوى الضوضاء الـ 120 ديسبل، ترتفع الخطورة على السمع والقلب مع أصوات الطائرات وآلات الحفر والتنقيب والطَّرق والضغط. وفي حال تجاوزها مستوى الـ 150 ديسبل تسبب الصمم الدائم، وإذا وصلت إلى 200 ديسبل فإنَّها قد تسبب الموت.
التلوث الإعلامي
لقد أصبح الإعلام المرئي قادراً على تحديد مصير الشعوب ومستقبل العالم. والمعرفة الإعلامية لا تقتصر على المواطن العادي؛ بل تصل إلى أعلى مراكز القرار.
إنَّ غياب الإعلام الموضوعي المدروس عن بلداننا يشبه غياب الأب عن أسرته، ولكي نصل إلى إعلامٍ مميزٍ، يجب العمل بحريةٍ لتداول الحقائق مع عنصرٍ بشريٍ مؤهلٍ ووجدانيٍ، يرصد الواقع بدقةٍ دون تشويه.
من هنا نجد الأثر الخطير للتلوث الإعلامي؛ إذ إنَّنا في عصر التلفاز والصور، معرَّضون لفقد البصيرة لكثرة الأفلام والصور الموجهة التي نشاهدها، ولا أحد يسأل ما هو الهدف منها؟ ومن أين تأتي؟ وما هي معانيها؟ ولماذا نستعملها؟
هي نوعٌ من الضغط الإعلامي الاستهلاكي الذي يصيب بالعمى الفكري والعلمي. ووُجدت هذه الضوضاء الإعلامية لحرفنا عن الحقيقة، وبقائنا بعيدين عن التوازن العقلي والمعرفي، ومن ثم غياب الرؤية والتوجه الصحيحين، وصولاً إلى الأمكنة المقصودة لقطف الثمار لاحقاً.
يجب ألا ننسى دور وسائل الإعلام والصحافة الصفراء، بضخها للأفكار المُلوِّثة للنفس البشرية المليئة بالفساد والمال والحروب وهذا أخطر ما يواجه الإنسان؛ تلوث نفسه وإفسادها بالمال والسياسة والاستهلاك الإعلامي، وهذا يغوي النفس البشرية ويقنعها بأفكارٍ محددةٍ وإجبار الناس على شراء موادٍ وسلعٍ لا يحتاجون إليها.
التلوث الضوضائي واضراره على صحة الإنسان
يمكن أن يؤدي التلوث الضوضائي إلى أكثر من تقليل القدرة على السمع ؛ يمكن أن يتسبب أيضًا في صدمة نفسية تؤدي إلى:
– الاضطرابات العصبية
– ارتفاع ضغط الدم
– مشاكل عصبية
– يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومشاكل أخرى في القلب والأوعية الدموية
– تؤدي الضوضاء العالية وغير المرغوب فيها إلى استجابة الإجهاد في أجسامنا ، مما يؤدي إلى زيادة الأدرينالين وارتفاع ضغط الدم .
– يمكن أن تكون المضايقات والتشتت أثناء العمل أو على الطريق ضارة مثل الضوضاء التي تسبب اضطرابات في النوم.
– قد لا تدرك ذلك ، لكن أصوات التنافر المستمرة يمكن أن تسبب التوتر. تم العثور على هذه الحقائق في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية
– اضطرابات النوم :إن التلوث الضوضائي المستمر يؤثر سلبًا على نومك. تكشف الأبحاث أنه حتى الطنين النابض يضر بجودة نومك.
حتى لو لم تستيقظ تمامًا من الأصوات ، فسيظل جسمك يستجيب للمنبهات السلبية. إذا كنت قد عشت بالقرب من موقع بناء ، فأنت تعلم أن الأصوات الصاخبة يمكن أن تبقيك مستيقظًا طوال الليل .
قلة النوم غير صحية للغاية. ومن المثير للاهتمام أن الضوضاء في منزلك يسبب هذه المشكلات أكثر من المصادر الخارجية.
– يقلل من الإنتاجية : تتأثر الإنتاجية بشكل كبير بالتلوث الضوضائي ، ولا تتطلب الكثير. يمكن أن يؤدي مجرد صوت شخص يتحدث بالقرب منك أثناء عملك إلى تقليل الإنتاجية بنسبة تصل إلى 66٪ .
– الإستجابة الغدية اللاشعورية : يفرز جسمك الهرمونات باستمرار من أجل تحفيز وظائف الأعضاء المطلوبة التي تحافظ على صحتك وسعادتك. لسوء الحظ ، تشير الأبحاث إلى أن مسببات التلوث الضوضائي تتداخل مع هذه العملية.
فكر في سلوكك عندما تسمع حادث سيارة أو صفارة إنذار ؛ ليس هناك استجابة عاطفية فحسب ، بل رد فعل جسدي أيضًا. هذا الأخير خارج عن إرادتك.
بمجرد أن يتعرف جسمك على الأصوات العدوانية ، فإنه يشير إلى إطلاق النورادرينالين والأدرينالين ، وهذا هو السبب في أن جسمك يشعر بأنه خارج عن السيطرة في هذه الأوقات.
يقوم جسدك بتشغيل وظيفة القتال أو الطيران ، وتفقد السيطرة على حواسك لفترة وجيزة. حتى عندما يكون التلوث الضوضائي خفيًا ، تحدث هذه التأثيرات على نطاق ضيق.
نصائح وإرشادات للحد من آثار الضوضاء
يمكن معالجة آثار الضوضاء باتباع نمط حياةٍ صحيٍ، وسنذكر فيما يأتي بعض التدابير الناجحة:
– ممارسة الرياضة والتأمل وتمرينات التنفس العميق والاسترخاء لتحسين المزاج وتخفيف الضغوطات.
– الخلود للنوم والراحة باكراً وتجنُّب السهر قدر الإمكان.
– احترام الإجازات وممارسة الهوايات وسماع الموسيقى الهادئة التي تقلل من التوتر وتُشعر بالاسترخاء.
– تقليل ساعات العمل في الأماكن المعرضة للضوضاء العالية، والفحص الدوري للسمع والقلب.
– المشاركة بحملات التشجير في المدن خاصةً؛ وذلك لما للأشجار من قدرةٍ على بعثرة وامتصاص الأصوات وتنقية الجو.
– إجراء الحملات الإعلامية للتوعية من مخاطر الضوضاء بأنواعها كافة.
– نقل الورش الصناعية خارج المدن والمناطق السكنية، واستعمال حاميات الأذن في الأعمال التي تتطلب الوقوف قريباً من الآلات الصناعية التي تصدر أصواتاً عالية لفتراتٍ طويلةٍ يومياً.
– توسيع الطرق الحديثة والقديمة للحد من مشكلات الازدحام والضوضاء.
– بناء جدران المنازل والشقق السكنية من طبقتين مع فراغٍ عازلٍ بينهما من الفلين أو المطاط.
– توعية الناس بالأخص العمال بضرورة الالتزام بقواعد الهدوء، وتحديد أوقات العمل، واستعمال واقيات الأذن عند استعمال الآلات التي تصدر أصواتاً عالية.
– إخماد الاهتزازات وعزل المنشآت الصناعية صوتياً بالطرائق المتاحة.
– اعتماد معايير المسافة بين المصانع والمناطق السكنية، مصانع الاحتراق على بعد 2300 مترٍ، ومصانع التعليب على بعد 200 مترٍ عن المناطق السكنية.
– ضبط قوانين القيادة والسرعة للحد من الأصوات العالية الصادرة عن الآليات ووسائط النقل ومخالفة مَن يخرج عنها .
خلاصة :
إن مسؤولية خفض مستوى الضوضاء تقع على المجتمع برمته من المصنع إلى العمال والناس جميعاً والمسؤولين عن تطبيق القانون، ويجب علينا العمل على الحد من التلوث البصري الذي يخرب جمال طبيعتنا، والتلوث الإعلامي الذي يهدد عقول أطفالنا وشباب مجتمعنا. ويجب ألا ننسى أنَّ الأكثرية الصامتة لا تصنع ضجيجاً؛ بل تصنع التاريخ.
المصادر :
https://www.who.int/quantifying_ehimpacts/publications/e94888/en/
http://www.euro.who.int/__data/assets/pdf_file/0008/136466/e94888.pdf
https://www.soundmasking.com/
https://www.euro.who.int/en/health-topics/environment-and-health/noise/noise