تصفح

الحمامة – أسرار ودلالات رمزية

منذ القدم تم استخدام رموز الطيور لتمثيل مختلف الصفات البشرية والإلهية في الرمزيات الدينية والفلسفية المختلفة فعلى سبيل المثال نجد النسر ممثلاً للشجاعة والبجعة رمزاً للتضحية والطاوس رمزاً للفخر والتباهي وقد أدت قدرة الطيور على مغادرة الأرض والطيران عالياً باتجاه مصدر الضوء إلى ارتباطها بالطموح والطهارة والجمال.

منذ القدم تم استخدام رموز الطيور لتمثيل مختلف الصفات البشرية والإلهية في الرمزيات الدينية والفلسفية المختلفة فعلى سبيل المثال نجد النسر ممثلاً للشجاعة والبجعة رمزاً للتضحية والطاوس رمزاً للفخر والتباهي وقد أدت قدرة الطيور على مغادرة الأرض والطيران عالياً باتجاه مصدر الضوء إلى ارتباطها بالطموح والطهارة والجمال.


لذلك كانت الأجنحة تُضاف في الغالب إلى المخلوقات الخرافية المختلفة وذلك في محاولة لمنحها التفوق على مناظاريها في الخلق ممن لا يملكون تلك الأجنحة ونجده جلياً في التمثيلات المختلفة كالأحصنة المجنحة والملائكة تم تمثيلها دوماً بأجنحة حتى غدت الاجنحة مرتبطة بالملائكة بمجرد قول كلمة ” ملائكة ” فقد كانت الملائكة تعتبر وسائط أو رسل بين الألهة والانسان تسكن في الهواء بين السماء والأرض .

كما نعلم كانت العبادة الأولى للإنسان البدائي تتم للطبيعة ومكوناتها المختلفة إتقاءً لشرها أحياناً وطلباً لخيرها أحياناً اخرى فقد كانت الطيور تعتبر رسلاً لأرواح الشجر و ألهة الطبيعة التي اعتقد الإنسان الأول أنها سكنت في البساتين والغابات.
وكما نعلم أيضاً أن الجاذبية وهي قوة فيزيائية تتحكم بنا في هذا العالم كونها تشكل قوة جذب نحو مركز المادة المتمثل بمركز الكرة الأرضية بالتالي اعتبر الإنسان تحدي الجاذبية والإرتقاء إلى أعلى هو مسار الروح للتخلص من المركزية المادية نحو المركزية الروحية التمثلة بالسماء.

لذلك كان الطائر بشكل عام أكثر قدرة لتمثيل هذه الحركة الشاقولية من أسفل الى أعلى وتحديه للجاذبية الأرضية المادية لتمثيل الإرتقاء الروحي بالتالي في فترات لاحقة تم اعتبار الطيور ممثلاً هاماً لروح الإنسان وهذا ما نراه في اهم تمثيلات الروح بالإضافة لكونها ممثلاً للألوهية والشجاعة والانجاز.

تعتبر الحمامة رمزاً مهماً انتشر على نطاق واسع منذ القدم في المنطقة السوراقية ومايزال مستخدماً حتى اليوم في تلك المنطقة في الرموز والأيقونات التصويرية وفي التعابير الأدبية المجازية ومن هذه المنطقة إنطلق هذا الرمز إلى العالم حاملاً معه مفاهيمه ومدلولاته الرمزية
بالتالي كانت أحد الرموز المهمة في العديد من المدارس السرية القديمة إلى المدارس السرية الحديثة كالماسونية التي تعتبرها رمزاً النقاء والبراءة .

كما كانت تمثل الحمامة الطرف الثالث للثالوث الإبداعي أو صانع العالم وقد بينا في مقالات سابقة أن الخلق بدأ من ثلاثة وبينا قدسية المثلث كونه أهم رموز الخلق كونه أول المضلعات.
وبما أن الحمامة كانت الطرف الثالث في الثالوث الإبداعي ( أب – ابن – أم ) لهذا نجد منذ القدم إرتباط الحمامة بالأمومة والخصوبة على سبيل المثال في سوريا تم استخدام الحمائم كرمز للإلهة الكنعانية الأم عشيرة .
كما نجدها رمزاً مهماً من رموز الألهة السوراقية إنانا / عشتار ألهة الخصب و الحب فقد ظهرت هذه الحمائم في عدد كبير من المنحوتات و التماثيل التي تجسد الالهة إنانا “Inanna” وذلك في وقت مبكر من بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد.
كما تم اكتشاف تماثيل حمائم في معبد عشتار في آشور يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد كما عُثرَّ على رسمة جدارية في مدينة ماري الأثرية في سوريا تظهر من خلالها حمامة عملاقة تنبثق من شجرة نخيل في معبد عشتار ونحن نعلم العلاقة بين عشتار وتموز الذي يرمز له بشجرة النخيل كما كان يعتقد أن الإلهة عشتار نفسها في بعض الأحيان تأخذ شكل حمامة ومنه انتقلت هذه الفكرة إلى المسيحية كممثل للروح القدس ففي (مت 3: 16): فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، “
اذا كانت الحمامة الطرف الثالث الإبداعي في الثالوث الخاص بالديانة المسيحية كما كان ينظر إلى الحمامة على أنها تجسيد لغريزة الأمومة ولا يخفى علينا علاقة مريم العذراء الأم بعشتار الام فكانت الحمامة ممثلاً للعذراء كما كانت من قبل لعشتار ولعلاقة هذه العذراء بالروح القدس.

ومن الحضارة السورية انتقل تقديس الحمائم الى الحضارة الإغريقية وغدت رمزاً للشكل الاغريقي لعشتروت أي أفروديت والتي ارتبطت ارتباطاً كلياً بها وكلنا نعلم السلسلة الحضارية لعل وعسى ان تعود الينا يوماً ما .
حيث تظهر أفروديت بشكل متكرر مع الحمائم في الفخار اليوناني القديم.
كما تم تزيين معبد Aphrodite Pandemos أفروديت بانديموس على المنحدر الجنوبي الغربي من الأكروبوليس الأثيني بمنحوتات من الحمائم كما انتقل إرتباط افروديت بالحمائم الى النسخة الرومانية منها وهي ڤينوس .

ومن الملاحظات المهمة أن الكلمة اليونانية القديمة لـ “الحمامة” هي peristerá والتي قد تكون مشتقة من العبارة الشامية القديمة “peraḥ Ištar “أي ” فِراخ عشتار” أوپِراخ عشتار” والتي تعني “طائر عشتار”.

كما كانت الحمامة هي أيضًا شعار للحكمة لأنها تمثل القوة والنظام الذي يتم من خلاله الحفاظ على العالم السفلي لذلك تم في الأزمنة القديمة وضع تماثيل الحمائم على رؤوس المفكرين للدلالة على أنهم من يحمل تلك الحمائم من المختارين المتمتعين بالامتياز الإلهي حيث اُعتبرت كرسول من الإرادة الإلهية للبشر .
كما أعطيت اسم حمامة إلى الحكماء والأنبياء كإسم يونان مثلاً المعروف ب يونس ” يونه יונה” والذي يعني حمامه وربما اعطي هذا الأسم للدلالة الروحية للحمامة التي ترتقي بعكس الجاذبية المادية المتمثلة في بطن الحوت وهي قصة تماثل خروج عشتار من عالم الاموات وارتقائها من الابواب السبعة وتفسيرها في المدارس السرية.

و في حكاية أوتنابيشتيم Utnapishtim المذكورة في ملحمة جلجامش الذي قابله جلجامش في بحثه عن الخلود روى له اوتنابشتيم حكايته وبين له أنه أطلق حمامةً وسنونو عادا اليه ثم اطلق غراباً لم يعد وذلك بهدف إيجاد اليابسة وهو ذاته مافعله نوح التوراتي في حكايته المنحولة من التراث السوراقي فأطلق غراباً لم يعد ثم أطلق حمامة عادت بغصن زيتون في دلالة على الحياة والسلام والخلاص بعد كارثة الفيضان العظيم ونلاحظ ما يقارب ترميز الحكاية في التراث الاسلامي في الحمامة التي بنت عشها بمدخل باب غار ثور بالتالي حملت الخلاص للرسول محمد من يد كفار قريش.

ومن هنا كانت الحمائم وأغصان الزيتون من أهم رموز السلام في العالم وسبق ان تناولت في مقال سابق رمزية الزيتون وتاريخ رمزيته ويعتبر المسيحيون الأوائل أول من استخدم رمز الحمامة التي تحمل غصن الزيتون كرمز المحبة و السلام والخلاص من الخطيئة حيث صوروا تعميد المسيح وفوقه حمامه في تمثيل للروح القدس التي تخلص الانسان من الخطيئة الاصلية خطيئة ادم كما يعتقدون.
لكن بالنسبة لإستخدام هذا الرمز للسلام على الصعيد الدولي الرسمي كان في نيسان من عام 1949 م وذلك في مجلس السلام العالمي في باريس والذي اتخذ لوحة بيكاسو الحمامة The Dove من المدرسة الكلاسيكية شعاراً له.


Amjad Sijary

تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي :
Previous Article

شمسي ملكة العرب 733 ق.م

Next Article

أسطورة أدونيس

Related Posts