
للموسيقى فلسفة من نوع آخر تعتمد على الحسّ الوجداني وله اهميته الخاصة في انماء حاسة الذوق الجمالي لدي كل فرد ، ولا شك بان كل مواطن متذوق لهذا الفن الرفيع يأمل ان يجد موسيقاه على اساس علمي سليم . وكما تبين الابحاث العلمية أن الإنسان لا يعيش بالطعام والشراب فقط وانما ايضا يحتاج إلى الهدوء والطمأنينة ، والراحة ، والانسجام .
وللموسيقا دور كبير في تهدئة النفوس ، وتغير الامزجة ، فهي ممكن ان تثير الغضب وخلق الحماس والشجاعة الاقدام في ميادين المعركة ويمكن ان تستخدم لخلق الطمأنينة وانسجام الروح. والأمثلة كثيرة في هذا الشأن حيث حسب ما يروي في التاريخ بان الموسيقار الالماني ريتشارد شتراوس استطاع التغلب علي غضب الجماهير التي كانت تستهدف قصر الإمبراطور في فيينا في القرن التاسع عشر ، وذلك بواسطة عزف مقطوعات موسيقية معينة لتهدئة النفوس ، واستمر في العزف حتي التف حوله الناس واخذهم بعيدا عن قصر الامبراطور .
ابو نصر الفارابي استطاع التعرف علي اسرار واثر المقامات في الموسيقى العربية علي النفس حيث يقول (ان مقام العشاق ، والنوي ، والبوسليك ، توحي بالقوة والشجاعة وتبعث الفرح ، بينما مقام الراست والعراق والاصفهان تبسط النفس وتولد السرور ، ومقام الزرك ، والرهاوي ، والزير كوله ، والحسيني ، ثم الحجاز تثير الكأبة والخمول . )وفي كتاب الفارابي (السماع ) يقول : ان احد ملوك اليونان قد راى بان جزء من سكان بلاده ينتابهم الكسل والخمول فبعث لهم بفرقة موسيقية تعزف لهم الحانا مميزة توقظهم من نومهم العميق وتبعد عنهم الكسل..
يقول محمد غباشي في دراسة له: ان العلاقة بين الصوت واللون تقوم علي ارتباطات وجدانية نفسية ومدلولات فسيولوجية تخضع لما يسمي بظاهرة السينايس ثيزيا Synaesthesia أي العلاقة في التزامن بين الصوت واللون او الارتباط والتنسيقي بين نوعين مختلفين من الاحاسيس ، فالعقل هو جهاز الاستقبال والتحكم والربط والتنسيق وهو الذي تتحكم فيه كل الحواس وهو الذي يربط بين البصر والسمع والشم. الخ. والطبيعة كام لكل الفنون تتكامل فيها الحركة المرئية والحركة السمعية ، اللون والصوت وكافة الظواهر الأخرى ،وعندما يتحد الانسان مع الطبيعة وتتكامل فيه عناصر الحياة بثقافتها البصرية والسمعية وارتباطاتها بالتجاوب العصبي الانسان فانه أي الانسان يتمكن من الرؤية حتى وهو كفيف، ومن السمع حتي وهو اصم ، تماما كما كان يرى طه حسين برؤية اكثر دقة وصحة وجمالا من المبصرين ، وكما كان يسمع بيتهوفن وهم اصم ما لا تتمكن اذن ان تسمعه او تستشفه من جمال ، وقد قال كارلايل ) اذا تأملت الشيء ونظرت اليه بعمق وتفحصته فانك حقا ستستمتع بموسيقاه ، لان النغم يكمن في قلب طبيعة الاشياء ) .
لقد بدأت المحاولات الاولي للربط والتمثيل والمقابلة بين الصوت واللون منذ عصور حضارية قديمة ، فقذ بدأها العالم الاسكندري العظيم ” بطليموس ” منذ القرن الثاني بعد الميلاد وتوصل إلى ان اللون لا يرتبط بفن التصوير فحسب بل يتعداه الي فنون النحت والعمارة والموسيقي ، فالرسام يستعمل الوانه بحكمة ودراية ويخلط بينها بمقابلة اكثر مادية وواقعية ، اما الموسيقي فيستخدم التلوينات الاوركسترالية، او الظلام لتعبيرية ، بمعنى اخر ، او من خلال المقامات والانتقالات بينهما والتركيبات الرأسية الهارمونية بين الاصوات او الخطوط اللحظية المتقابلة ، وتتقابل الالوان سواء المادية منها او الحسية بالتوافق والتعارض والتنافر على السواء .
في كتاب “فلسفة الموسيقى للكاتبة عائشة خلّاف، تتحدث عن منبع الصوت للكلام والذي تعدّه الهواء النابع من الرئتين والجاري خلف الشق ما بين الأوتار الصوتية – المزمار – يسبب ذبذبتها ثم ينقسم الى انباض من الهواء تنتج عنهما الأصوات التي تتحول في ما بعد الى أصوات منطوقة، أما منبع الصوت للموسيقى فهي الأصوات الموسيقية متعددة ومعقدة، يمكن حصرها في موجة صوتية لآلة موسيقية واحدة الى خليط من الأصوات المعقدة جداً لجوقة موسيقية، فكل آلة لها نسيجها النغمي الخاص.
وتشير الكاتبة الى أن النغمة هي عبارة عن شكل هندسي محدد في الفضاء، ذاكرةً إن الصوت الذي نسمعه في الموسيقى هو ذلك الصوت الخاص: النغمة، فعندما نسمعها نكون قد سمعنا ظاهرة طبيعية: ذبذبات تتحرك على شكل أمواج في الهواء لمدة زمانية معينة تنقلها جزيئات المادة وتخترق المواد الصلبة والغازية والسائلة.
في الفصل الخامس من الكتاب تتحدث الكاتبة عن مجال التردد الصوتي الممكن سماعه ذاكرة إنه يتراوح ما بين 20 هرتز و20 كيلو هرتز، فطيف الصوت المسموع له بديله في طيف الضوء المرئي، ومجال الترددات الصوتية الذي يقع ضمن حدود حاسّة السمع عند الإنسان: لن نستطيع أن نسمع الأصوات الجدّ منخفضة (دون الصوتية) والجدّ عالية (فوق الصوتية) كما لن يكون في استطاعتنا أن نبصر الأشعة ما تحت الحمراء لأن ترددها منخفض جداً.
وعلى ذلك وجد العلماء وعلي راسهم (نيوتن ) ان النسب الرياضية الفاصلة بين الوان الطيف السبعة تتقابل مع الاصوات الموسيقية السبعة مع ترتيبها كذلك (دو.ري.مي.فا..صول.سي .دو) أي وفقا لمقام الدوريان ، وتبعا لذلك بدأت المحاولات العلمية العديدة للربط بين اللون والصوت بين العين والاذن وذلك بعزف موسيقي مع عرض الالوان التي تتقابل معها ، وبالطبع فان صعوبات عديدة قابلت تلك المحاولات الا ان البحوث لا تزال جارية .
وفي الفصل السادس من الكتاب تتحدث الكاتبة عن توليد السلالم الموسيقية، بشكل تفصيلي، وتربط الألوان بالصوت مسميّة اياه بـ ” نوبة الألوان الصوتية” حيث تكون السلالم مثل الألوان ، حارة أو باردة فاذا طالعنا عجلة الالوان سنلاحظ الألوان الحارة هي الأصفر، البرتقالي، الأحمر، أما الالوان الباردة فهي ، الأخضر، الأزرق ، البنفسجي، وهنا سنضع الألوان الصوتية – السلالم – التي استخرجناها والتي عددها أربعة وعشرون سلّماً في دائرة تعاقب الليل والنهار الموجودة على عجلة الألوان وهذه ما نطلق عليها اسم نوبة الألوان الصوتية.
منذ بداية القرن السابع عشر قام لفيف من العلماء الموسيقيين بتجارب تهدف الي اداء موسيقي ومرئي في نفس الوقت ،أي باختراع وتصنيع الات موسيقية مثل الاورغن والهاربسكورد، تعزف الموسيقي وتنتج في نفس الوقت الالوان المقابلة لما يتم عزفه .. واستمرت التجارب حتي جاء “والاس ريمنجتون ” 1854-1918 واخترع الأرغون الضوئي الملون ، وهذا الأرغن لم يتمكن من عزف موسيقي ، بل كان يصدر الوانا تعرض علي شاشة ويصاحب هذا العرض الضوئي اداء موسيقي يقوم به عازف بيانو او اوركسترا لموسيقي كان اغلبها لشوبان وفاجنر ، أي ان هذا الأرغون كان يترجم الاعمال الموسيقية إلى الوان بمجرد عزفها علي لوحة المفاتيح لتصحب عزفا موسيقيا سمعيا حيا.
يقول المؤلف الموسيقي الفيلسوف سبريل سكوت عام 1917 : ان كل عمل موسيقي يؤدي الي اشعاع فكري ولوني يتشكل في صيغة قالب جمالي يسبح في الفضاء ، ويتم تحديد القيمة الجمالية للعمل الموسيقي وفقا لهذا القالب الجمالي الروحي المحسوس ، ان هذا الجمال هو الذي يشكل الطبيعة النفسية للبشر ويؤثر علي افرازات الغدد وعلي الطاقة الكامنة في الانسان .
اذا هناك علاقة بين الصوت واللون في الموسيقى فعندما نستمتع بمنظر طبيعة تصاحبه اصوات من الطبيعة لحفيف الشجر واصوات الطيور وخرير الماء ، هذا يقودنا الي الحقيقة التي تبحث عنها الفلسفة والفنون دائما والتي بحث عنها فاجنر في “الدراما الموسيقية ” التي تتكامل فيها فنون الصوت والصورة ، كالشعر والموسيقى ، والحركة والعمارة ، فاذا اكتمل هذه العناصر كان تأثرها اقوى واكثر تكاملا واقرب الي الحقيقة .
المصادر :
https://www.bedtracks.com/blog/2015/11/10/the-relationship-between-music-colour-5-reasons-why-its-important