تصفح

الإله يم ودورة البعل” دراسة و تحليل”

َيم ים Yamm هي كلمة كنعانية مشتركة بين كل اللغات التي صنفوها تحت اسم ” اللغات السامية” وكما نعلم جميعاً هي تعني “البحر” فكانت هذه الكلمة إسماً لإله البحر في المثيولوجيا الكنعانية كان “يم” شقيق الإله ” موت ” إله الموت ومرتبطاً به كون يم ” البحر ” يتصف بالغضب والعنف والقسوة بالتالي أصبح مرتبطاً بالفوضى وخصوصاً من ناحية إرتباطه بالوحش الأسطوري لوتان الحية الملتوية الوحش الذي يخبط البحر ويخلق الأمواج مُحدثاً الفوضى المائية . كان ” يم ” إبناً للإله الأعلى الكنعاني ” ايل ” ” عِل ” العالي لذلك يشار إليه أحياناً بالأسم ” الأمير يم ” أو ” حبيب ايل ” .

َيم ים Yamm هي كلمة كنعانية مشتركة بين كل اللغات التي صنفوها تحت اسم ” اللغات السامية” وكما نعلم جميعاً هي تعني “البحر” فكانت هذه الكلمة إسماً لإله البحر في المثيولوجيا الكنعانية كان “يم” شقيق الإله ” موت ” إله الموت ومرتبطاً به كون يم ” البحر ” يتصف بالغضب والعنف والقسوة بالتالي أصبح مرتبطاً بالفوضى وخصوصاً من ناحية إرتباطه بالوحش الأسطوري لوتان الحية الملتوية الوحش الذي يخبط البحر ويخلق الأمواج مُحدثاً الفوضى المائية .
كان ” يم ” إبناً للإله الأعلى الكنعاني ” ايل ” ” عِل ” العالي لذلك يشار إليه أحياناً بالأسم ” الأمير يم ” أو ” حبيب ايل ” .

أشتُهر “يم” من خلال الملحمة الأوغاريتية الشهيرة ” دورة البعل ” تحكي هذه الملحمة اسطورة الموت والقيامة من خلال صراع الإله ” يم ” مع إله الخصوبة ” بعل ” وتفوق البعل على الفوضى والموت وقيامته من عالم الموت ليحمل الخلاص للمجتمع الزراعي السوري.
تم إكتشاف الألواح التي تحتوي هذه الملحمة خلال عمليات التنقيب في مدينة أوغاريت القديمة وذلك في اعقاب إكتشافها مصادفةً في العام 1928م ويرجع تاريخ الألواح التي تحتوي هذه الملحة ل 1500 ق. م ويعتقد أنها أقدم من هذا التاريخ بكثير حيث يعتبر التداول الشفهي كان أقدم من التدوين الطيني حيث كُتبت الملحمة على ثلاثة ألواح طينية باللغة الأوغاريتية وهي لغة شمالية غربية مكتوبة بأبجدية أوغاريت أقدم و أول أبجدية في العالم وما يلي ملخص هذه الملحمة :

ملخص دورة البعل

كان الإله ” بعل” إبناً للإله ” داجون” وقد أمِلَ في أن يتم اختياره من قبل ” إل” كبير و رئيس مجمع الآلهة ” البانثيون ” ليكون ملكًا على السماء لكن بدلاً من ذلك أعطي إل التاج لابنه الأمير ” يم ” .

لكن نظراً لأن الإله ” إل ” كان حكيماً و خيّراً إعتقد في أن اختياره لـ ” يم ” سيكون في مصلحة الجميع ولكن بمجرد أن تمتع ” يم ” بالسلطة أصبح طاغيةً ومتجبراً وجلب الفوضى نتيجة لتجبره الذي طال بقية الألهة وجعل منهم عبيداً عنده .
فقامت الآلهة الأخرى على العمل من أجل حل هذه المشكلة فطلبوا من قرينة “إل” “عشيرة” الذهاب إلى “يم” للتوسط من أجلهم .
قدمت له عشيرة العديد من الهدايا والإغراءات لكن “يم” رفضها ولم يقبلها حتى قدمت له “عشيرة” نفسها فقبل “يم” الإتفاق وعادت عشيرة إلى المحكمة الإلهية التابعة ل ” إل ” لإعلامهم مجمع الألهة بالعقد.

وافق مجلس الألهة على عقد “عشيرة” و “يم” وإعتبروها خطوة سلمية بإتجاه الحل لكن “بعل” شعر بالاشمئزاز من هذا الإتفاق ومن الألهة الآخرين الذين وافقوا على هذا العقد و أقسم أنه سيقتل “يم” وينهي هذا الطغيان والفوضى.

أظهر بعض الإلهة ضعفاً وأخبروا ” يماً ” بنية بعل فأرسل ” يم ” رُسلاً إلى محكمة ” إل ” طالبوه بتسليم ” بعل ” لينال عقابه على خيانته وصل رُسل ” يم ” لمحكمة “إل” إنحنت رؤوس الألهة أمام مبعوثي ” يم ” باستثناء الإله ” بعل ” الذي تحداهم و وبخ الآلهة الأخرى على جبنهم وخنوعهم.

أرسل “يم ” مجموعة ثانية إثنان من الرُّسل للمطالبة بتسليم ” بعل ” لكن هؤولاء الرسل لم يظهروا للألهة والألهات في محكمة ” إل ” أدنى درجات الإحترام ورفضوا القيام بطقوس التبجيل لمجمع الألهة وبدل من معاقبتهم على وقاحتهم أخبرهم “إل” أنه سيسلم ” بعل ” وأن ” بعلاً ” لسيأتي ل” يم ” حاملاً معه هدايا من الذهب.

غضب بعل من قرار ” إل ” و تحرك لمهاجمة المبعوثيين لكن شقيقته ” عناة ” ألهة الحرب و ” عشتروت ” ألهة الحب منعتاه وقالتا له تبعاً للتقليد الكنعاني أنه لايستطيع قتل الرُّسل لانهم ينقلان كلمات سيدهم فقط.

أقسم بعل أنه لن يرضخ لهذه القرارات ولن يستسلم لكن في الحقيقة هو لن يستطيع هزيمة ” يم ” وحده فتدخل هنا إله الحرف اليدوية والصناعة ” كوثر حاسيس ” Kothar-wa-Khasis” وأخبر بعل أنه سيصنع له هراوتان إلهيتان لهما أسماء سحرية هما ” يغروش ” و” أيمور ” وبين أنهما سيدمران الإله “يم ” .

ذهب “بعل” لقتال “يم ” تأرجح “ياغروش” على الملك يم وضربه على الكتفين لكن يم لم يسقط وتراجع بعل فطلب منه “كوثر” أن يستخدم ” أيمور ” وضرب رأس ” يم” بين عينيه.

فسقط ” يم ” وهُزم على يد بعل وسحبه بعل إلى قاعة مجلس “إل” وأعلن نفسه الملك الجديد وأُخرج ” يم ” من السماء وأرجعه إلى دوره القديم كإله للبحر والأنهار والأعماق .

الجزء الثاني

بعد إﻧﺘﺼﺎﺭ ﺑﻌﻞٍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ إنتصرت ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻨّﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ و وضع بعل أسس الحضارة والتمدن بعد أن نظم المجتمع الزراعي وليتمم الوهيته وملكه قرر بناء قصر أو هيكل له شأنه شأن الألهة الكبرى فحصل على موافقة ” إل ” من خلال عنات فيبنى كوثر حاسيس لبعل هيكله على قمة الجبل الأقرع ” صفون ” ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ إنتهى ﺍﻟﻬﻴﻜﻞ ظهر ﻓﻲ غاية ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻹﺑﺪﺍﻉ مبنياً من خشب ﺍﻷﺭﺯ ﻭﺍﻟﻔﻀّﺔ ﻭﺍﻟﺬّﻫﺐ ﻳﻌﺘﻠﻲ ﻗﻤّﺔ ﺟﺒﻞ ﺻﻔﻮﻥ .

في الجزء الثالث من الملحمة يتسائل بعل من سيحاول تقويض حكمه ؟ وأن كل من سيحاول تقويض حكمه سيتصل ب”موت” إله الموت فأرسل بعل إلى موت يطلب منه الإعتراف بسيادته وأن عليه أكل ” الخبز”و “النبيذ ” لكن موت رفض دعوة ” بعل ” ويخبره بأنه كالأسد في الصحراء يتوق إلى اللحم والدم البشري ! فقط يهاجم ” بعل” الإله ” موت “ويسعى إلى تدميره.
يرسل لوتان الحية البحرية الملتوية المرتبطة إرتباطاً وثيقاً مع “يم” والتي تشكل رفيقاً له يقتل بعل الحية لوتان مما يثير غضب الإله ” موت” ويقسم أنه لن يرتاح حتى يموت ” بعل” يلتقي بعل مع موت وإنتصر موت على بعل فقطعه موت وإبتلعه لكن في الحقيقة ” بعل” كان خالدا لا يموت فإدعى بعل أنه مات وإختبئ في العالم السفلي في جوف موت حيلة بعل تخدع حتى الألهة حتى إيل وعنات حيث يعلنان الحداد عليه و تطالب شقيقته عنات بالانتقام فتقوم بقتل موت وتطحنه وتنثره تحت الأرض لتعيد بعل من العالم السفلي ولكن لأن موت خالد مثله مثل كل الآلهة يعود إلى الحياة لكن يعود إلى عالمه المظلم ويسود بعل كملك للألهة في العالم العلوي.

ملاحظات
  • تمت مقارنة هذه الملحمة في كثير من البحوث مع الملحمة البابلية الشهيرة في بلاد الرافدين “إنوما إيليش” التي مثلت إنتصار البطل مردوخ الممثل للنظام على ألهة الفوضى ” تيمات ” الممثلة لمياه المحيطات والفوضى لكن في الحقيقة هناك إختلاف بين الملحمتين فملحمة إنوما إيليش هي تمثيل لنشأة الكون أما دورة البعل هي دورة موسمية مصغرة تحدث كل سنة حسب بعض التحليلات وكل سبع سنوات حسب تحليلات أخرى.
    فتلك القصتنان كما أسلفنا تخدمان قضية واحدة وهي إنتصار النظام على الفوضى ومحاولة تفسير كيف تم تأسيس العوالم الغير مرئية .
  • تم تعريف ” تيامات” ومعاونها ” كنگو” قائد التمرد بأنهم أشرار في الإينوما ايليش.
    أما الإله ” موت ” و الإله “يم” لم يتم تعريفهم في دورة البعل كأشرار فالفوضى التي خلقها “يم” كانت نتيجةً لاستغلاله القوة و السلطة التي تم منحها له شرعاً من قبل الإله الأعلى إيل لكن معارضة بعل له خلقت هذا الصراع كما أن هناك أمور لا يمكن إغفالها تتمثل بدوره في تقديم الطعام للمجتمع الساحلي وتمكينه البحارة من الوصول إلى أهدافهم بالتالي كان يم يستحق النذور التي تم تقديمها للألهة .
  • تجسد هذه الملحمة الآلهة بأشكالها المذكورة حقائق خارجة عن الفهم والتحكم البشريين: العواصف الضرورية للازدهار وحتى البقاء والدوافع القوية للجنس والعنف و الموت و المجتمع الإلهي الذي يعكس بتفاصيله طبيعة المجتمع الاوغاريتي على الأرض على سبيل المثال :
    +يشترك كلاهما على الملكية الذكورية للمؤسسة الحاكمة.
    +أعطت قصصهم طريقة حكم “المدينة السماوية” في محاولة لخلق عبرة و حلول للمشاكل الأرضية التي قد تجابههم في المستقبل.
  • تظهر مكانة المرأة في المجتمع الاوغاريتي بكونها إمرأة مستقلة صاحبة قرار مكملة لبعلها وليست تابعة له.
  • تبين القيم الاوغاريتية في إحترام الرُّسل وعدم التعرض لهم.
  • ُتظهر الملحمة نوعاً من الديمقراطية تمتع به البانثيون الكنعاني حيث تم التمرد على سلطة “يم” فقط لعدم أمانته في إستخدام السلطة والقوة التي منحها له ” إل ” فبدلاً من التعامل مع الألهة الأخرى بإحترام يخضعهم ويستبد في إخضاعهم على عكس والده الإله الحكيم “إل ” الذي يستمع إلى بقية الألهة ويأخذ مشورتهم .
  • تظهر الطعام الزراعي الذي تميز به المجتمع الكنعاني الذي يشكل النذور المقدمة للإله بعل أثناء الأعياد والتي إنتقلت إلى المسيحية المتمثلة ب”الخبز”و “النبيذ” المعبران اليوم عن جسد ودم المسيح حيث يؤكد الفكرة القائلة بأن الديانة المسيحية هي إمتداد لعبادة البعل السوري .
  • تظهر القصيدة ” بعل ” و ” يم ” إلهان شابان في نفس العمر تقريباً كما يظهر كما اسلفنا ” يم ” إستبداداً في الراي يظهر ” بعل ” النقيض الحكمة الإصغاء إلى أراء الأخرين كما في المقطع الذي تجاوب مع رأي عنات وعشتروت في عدم قتل الرُّسل.
  • يمثل بعل رمزياً الجوانب التعاونية للطبيعة الأكثر وضوحا في دوره كإله المطر الذي يخصب الأرض ويسبب نمو المحاصيل .
  • يم كإله البحر والأنهار يرمز إلى الجانب العنيف وغير المتسامح من الطبيعة كما شهده الكنعانيون الفينيقيون من خلال رحلاتهم في البحار و الفيضانات الدورية لأراضيهم.
  • كما نعلم عرف الإغريق الكنعانيين – الفينيقيون باسم “الشعب الأرجواني”بسبب الصبغة المصنعة في صيدا واستخدامها على نطاق واسع في صور ولكن عُرفوا أيضا باسم “شعب الخيول “وذلك بسبب رؤوس الخيول المنحوتة المزخرفة التي تزين بها السفن حيث كانت رؤوس الخيول تنحت تقديراً لقوة ” يم ” استرضاءاً له وهذا الربط إنتقل إلى إله البحر اليوناني بوسيدون والذي كان مرتبطًا بالخيول فقد كان لا بد من استرضائه باستمرار لمنع تدميره الوحشي للسفن في البحر.
  • “موت ” و ” بعل” يقتلان بعضهما البعض باستمرار ومقتل موت يكون بمساعدة ” عنات ” بإتحاد المذكر والمؤنث بالتالي يتم خلق الحياة فيتم تمثيل هذه الملحمة بإختصار ب “حياة ” و ” صراع ” و “موت” وتظهر من هذه الدورة واضحة من “خلال الموت تكون حياة ” واضحة جليّة من خلال طحن عنات لموت ونثره تحت الأرض في إشارة فكرة ان الحبة لا تنبت وتعطي إلا بعد الموت .
  • يُعتقد أن هذا الإصدار من الحكاية يعد تفسيراً رمزيًا لدورة الفصول في كنعان – فينيقيا التي تعبر عن العملية الطبيعية للكون التي يقتطعها كل من “موت” و “يم ” الفوضى والموت بالتالي كان هذا الإقتطاع رمزاً إلى فترات الجفاف والفيضانات والمجاعة والامراض في الأرض بالتالي قدمت هذا الدورة تفسيرات لما يحدث في الأرض من أحداث طبيعية تعبر في بعض التفسيرات عن سنوات القحط وسنوات الخير في المجتمع الزراعي مستندين إلى الحكاية التوراتية في قصة يوسف حول سبع سنوات عجاف وسبع سنوات خير تمر بها المنطقة و البعض يراها تعبر فقط عن الخروج من سنوات الجفاف غير محددة بمدة زمنية و البعض يراها وأنا منهم انها تعبر عن فصول السنة والفترات التي تمر بها المحاصيل الزراعية مثلها مثل قصة تموز ” ديموزي ” وهبوطه إلى العالم السفلي وقيامته ليحمل الخضرة إلى النباتات بصفته إلهاً للخضرة والنباتات بالتالي يعيد النظام الطبيعي للارض المتمثل بالحياة بعد الخروج من عالم الموت وإنهاء الفوضى الحاصلة من غيابه.

ومثله مثل اوزوريس عندما قام سيت المقارب بقتل اوزوريس واخذ العرش منه فأغرقَ الأرض بالفوضى وكانت إعادة إحياء اوزوريس بمساعدة إبنه الإله الشمسي حورس الذي أعاد قيامة أوزوريس بالتالي يحمل الخضرة معه لوادي النيل تم إستعارة المعركة بين بعل و ” يم ” النظام والفوضى في النصوص الدينية اللاحقة في فكرة المخلص في معركة أرمجيدون معركة الخير والشر بين المسيح الدجال الممثل للفوضى والمسيح الممثل للنظام كما تمت استعارة الحية ” لوتان” الملتوية التي قتلها بعل وتم وصفها في أشعيا بالإسم ” لويثان” في استعارة لحكاية قتل البعل لتلك الحية حيث تعبر عن في التفسير المسيحي واليهودي عن الخلاص والإنتقال من مرحلة لمرحلة.


Amjad Sijary

تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي :
Previous Article

قرطاج و إشكالية النذور البشرية عند الكنعانيين

Next Article

قيامة البعل العالي

Related Posts