
كما نعلم أن الكتابة هي عملية تخزين وتوثيق المعلومات و الأفكار عن طريق ترميزها برموز الكتابة المميزة على أحد سائط التدوين المختلفة لتتم قرائتها في أوقات لاحقة.
قبل إختراع الكتابة ترك لنا إنسان الكهوف والبدو والفلاحين الأوائل بصماتهم و أثارهم ورسوماتهم في مناطق مختلفة من العالم و عبرت رسوماتهم عن بعض الأحداث المهمة في حياتهم على مدى ألاف السنين قبل الكتابة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وإفريقيا عن طريق ما تركه عشرات الآلاف من الأجيال وكان كل أثر من هذه الآثار يشكل بصمة تميز صاحبها الذي نفترض أنه يحمل إسماً وتاريخاً لكن بالرغم من الكم الهائل من هؤلاء الأشخاص الإ أننا لا يمكننا تحديد إسم شخص واحد منهم قبل العام (3200-3400) قبل الميلاد .
يعد نظام الكتابة الذي تم تطويره في سومر حتى الآن أقدم نظام متكامل للكتابة تم عن طريقه تدوين المعلومات المختلفة على الألواح الطينية بواسطة الكتابة المسمارية للأسف لا تحتوي النصوص الأولى المكتشفة على رؤى فلسفية أو شعر أو أساطير أو قوانين أو حتى انتصارات ملكية بل هي عبارة وثائق إقتصادية بسيطة كتسجيل دفع الضرائب وتراكم الديون وإثباتات ملكية الأصول المختلفة هذا ما دفع عدد من الباحثين لإعتبار أن الغاية الأساسية من نشوء الكتابة هو تدوين العمليات التجارية والمحاسبية المختلفة التي تضمن حفظ الأملاك الحقوق.
كان نظام الكتابة السومرية البدائي نظام كتابة نصي جزئي يعتمد على عدد من العلامات المادية التي يمكن أن تمثل فقط أنواع معينة من المعلومات التي تنتمي إلى مجال محدود من النشاط فلا تمثل كامل اللغة المنطوقة كالمستخدمة اليوم في الرياضيات والموسيقا والفيزياء وتختلف هذه الكتابة النصية عن النظام الكتابي الكامل الذي يمكن أن نعبر فيه عن أي كلمة منطوقة وعن كل شيء يمكن أن يقوله الإنسان بما في ذلك الشعر لكن طبعاً في المراحل اللاحقة من تطور الكتابة المسمارية تطورت وأصبحت لغة ادبية يمكن من خلالها الإنسان التعبير عن كامل لغته ومفرداته .
بالعودة لموضوعنا حول أقدم تسمية مدونة بتاريخ البشرية كما ذكرنا في المقدمة أنه لم يتم تحديد إسم أي شخص قبل العام (3200-3400) ق. م وهو التاريخ المفترض لنشوء الكتابة.
لكن السؤال المهم من كان هذا الشخص هل كان إلهاً ؟ أم ﻣﻠﻚ أو ﻣﻠﻜﺔ؟ أو شخصية إعتبارية أو ﻣﻘﺪﺱ؟
معظم السجلات الأثرية ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ الحديثة نسبياً قبل الميلاد و التي وصلت إلينا نجد أنها تتعلق بحياة النخبة السياسية والنخبة الدينية في المجتمع لذلك للوهلة الأولى سنعتقد أن من حظي بشرف أن يكون اسمه أقدم اسم مكتشف في تاريخ البشرية هو أحد هذه النخب لكن للأسف الحقيقية مخيبة لأمالكم فإن ﺃﻭﻝ ﺍﺳﻢ ﺑﺸﺮﻱ ﻧﻌﺮﻓﻪ في التاريخ يخص ﻣﺤﺎﺳﺐ …..
من هذا المحاسب وما هي قصته؟
ااﻤﺤﺎﺳﺐ ﻫﻮ ” ﻛﻮﺷﻴﻢ kušim” و ﺍﻟﺬﻱ نعتقد ﺃﻧﻪ ﻋﺎﺵ ﻓﻲ ﺳﻮﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻔﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﺳﻢ “Kušim” ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺡ ﻃﻴﻨﻲ ﻳُﻌﺮﻑ ﺍﻵﻥ ﺑﺎﺳﻢ ” Kushim Tablet ” ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺶ ﻳﻮﺿﺢ ﺻﻔﻘﺔ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ احدى الترجمات تقول : [[” 29086 مقياس من ﺍﻟﺸﻌﻴﺮ ل 37 ﺷﻬﺮًﺍ ﻛﻮﺷﻴﻢ ” ]]
ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺗﻢ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ [[” ﺗﻢ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ 29086 ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺍﺭ 37 ﺷﻬﺮًﺍ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﻛﻮﺷﻴﻢ .”]]
أغلب المترجمين يعتبرون أن كوشيم هو اسم علم وأن كوشيم هو محاسب وإﻗﺘﺮﺍﺡ ﻭﺍﺣﺪ يقول ﺃﻥ ﻛﻮﺷﻴﻢ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ أي كوشيم هي وظيفة .
لكن الخيار الأقوى والمتفق عليه أن كوشيم هو أسم علم وأن التوقيع الذي نراه بالصورة المرمز بإشارتي استفهام ” ؟ ؟ ” حسب ما رأيت أنا هو عبارة عن مخزن شعير كون سنبلة الشعير محاطة ومحصورة في حيز فيكون التوقيع ” كوشيم خازن مستودع الشعير “.
مثل العديد من الأمور الغامضة أو المبهمة في التاريخ يحتوي هذا اللوح على لغز عند نقطة معينة تتطلب من الباحثين لمعالجتها أن يقوموا بقفزة إستنتاجية تخلق إحتمالات عديدة بيَّناها لكم وخصوصاً أن إسمه ” كوشيم ” كما أرى يعيدنا الى الأسم ” قوسيم قاسم گاسم ” فاسمه يمكن ان يأخذ إسم العلم وأن يأخذ وظيفة التقسيم بالعدل إن صحت مطابقتي مع الأسم.
عموماً كل الدلائل تشير إلى أن كوشيم كان رجلاً سومريًا حقيقياً قد يكون من الفئات الفقيرة في المجتمع أو المتوسطة عَمِل خازناً في مستودع قام بعمليات المحاسبة الخاصة بالشعير باختصار هو محاسب .
ولنزيدكم علماً أن للمحاسبة تاريخ عريق تحسد عليه فقد تم العثور على سجلات محاسبية عمرها أكثر من 8000 عام أي قبل الكتابة ب 5000 عام تقريباً في القرب من منبج في سوريا في موقع الجرف الأحمر تمثل أقدم عمليات الإحصاء حيث نجد نقشاً لعملية عد الثيران التي يبلغ عددها 34 ثوراً مرمزة برموز كقرون الثور تشبه الحرف U .
كما كان للفينيقيين القدماء أبجدية صوتية عريقة صدروها للعالم كانت تستخدم في عدد مهم في نقوشها في العمليات المحاسبية لمسك الحسابات الخاصة لمكان ما كالمدونات التي وصلت الينا في تبيان الحسابات الخاصة بالمعابد ومقدار النفقات والايرادات الخاصة بالمعابد والقصور فالمحاسبة إذاً قديمة قدم الحضارة لأن الحياة المستقرة جلبت معها المال والأرقام والسلع والتجارة بشكل عام أينما وجدت مستوطنة بشرية مبكرة ستجد محاسبي أوائل يحصرون تكاليف الحضارة ويسجلونها فكما سبق وقدمنا لكم كانت الكتابة نتيجةً مهمة للنمو الإقتصادي للمجتمع خلقتها الحاجة للتدوين والإثباتات الإقتصادية المختلفة لذلك ﻟﻌﺐ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﻮﻥ دوراً مهماً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ بالرغم من أنهم ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﻬﺮﻣﻲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ لكنهم كما نرى هم من حظيوا بشرف أن تكون أسمائهم أقدم ما وصل إلينا من أسماء حتى اليوم.
هوامش
1 – ﻳﺬﻫﺐ البعض ﺇﻟﻰ قرص طيني يدعى “كال سال وعبيده” يظهر فيه ثلاثة اسماء يعتبرها أول ثلاثة أسماء وهم ” گال سال Gal- sal ” مالك العبيد والعبد الأول Enpap-X إنباب – إكس ” والعبد الثاني “Sukkalgir سوكالجير ” بينما يذهب، البعض الآخر الى ” ﻟﺘﻮﺭﻏﻮﻧﻮ ﺳﺎﻧﻐﺎ Turgunu Sanga ” الذي ربما كان محاسباً عند اسرة تورغونو ” عموماً كل هذه الأسماء تعود للعام 3100 ق. م اي أحدث من” لوح كوشيم ” (3200-3400) ق. م .
2 – يسمي البعض لوح كوشيم ” لوح ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻌﺒﺪ إنانا في اوروك ” حيث تمت ترجمة النص :
[[ ” تم ﺇﻧﺘﺎﺝ 134،813 من البيرة ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻴﺮ المرسل ﻋﻠﻰ مدى 37 ﺷﻬﺮًﺍ ﺇﻟﻰ الموظف ﻛﻮشين ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﻋﻦ صنع البيرة ﻓﻲ معبد إنانا ﻓﻲ أوروك “]] حيث تم تفسير الشعير الموجود في آنية انها عملية التخمير.
3 – اللوح موجود في مجموعة Schøyen Collection بالرقم MS1717 ﻫﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺨﻄﻮطات ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺗﻘﻊ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺳﻠﻮ ﻭﻟﻨﺪﻥ ﺻﻤﻤﻬﺎ ﻣﺎﺭﺗﻦ ﺷﻮﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺗﻀﻢ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺃﺻﻞ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻋﺒﺮ 5000 ﻋﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .
Amjad Sijary