
تعرفنا في مقال سابق على أسطورة ” إنانا و ديموزي ” والتي عرفت أشكالاً عدة إبتداءً من عشتار وتموز و إنتهاءً بأدونيس و أفروديت عند الإغريق و أدونيس و فينوس عند الرومان واليوم سنتعرف على أسطورة أدونيس التي نشأت في سوريا و انتقلت لتصبح من أهم الأساطير الإغريقية والرومانية وأكثرها تأثيراً .
أدونيس
كما هوو واضح ياخذ الاسم شكلاً يونانياً بإنتهائه ب ” يس ις” لكن هذه الأسم اليوناني ذو أصل كنعاني من كلمة “adōn” والتي تعني”السيد” أو “الرب” وحتى اليوم يتخذ اليهود من كلمة ” أدون ” الكنعانية إسماً ليهوه الذي لا يجرء العامة على نطقه فعند ذكر إسمه يقولون ” אֲדֹנָי أدوناي ” .
كان ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ إله الخصوبة الشاب فقد كان شاباً وسيماً أحبته ألهة الخصوبة ﻋﺸﺘﺮﻭﺕ و كان يمثل ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭ ﺍﻟﺒﻌﺚ ﻓﻲ في العبادة الزراعية ﺍﻟﺸﺮقية عرفت عبادته في البداية في فينيقية ثم قبرص ثم في اليونان القديمة نتيجة علاقتها مع قبرص في القرن السادس ق. م.
نجد في ﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ التخبط لورودها في عدد من المصادر المتضاربة تشترك بعدد من النقاط الرئيسية لكنها تختلف بالمسميات
لذلك سأذكر القصة بالإطار العام بدون مسميات ثم أُبين الإختلافات في تعليقاتي على القصة :
– تروي القصة :
أن إحدى بنات الملوك كانت جميلةً جداً كانت المملكة تتغنى بجمالها حتى والدها كان يصف روعة جمالها الذي عبر عنه بجمالٍ يفوق جمال عشتروت ” افروديت ” .
عموماً هذا الكلام وجمالها الباهر أغضب أفروديت فانزلت لعنةً على هذه الفتاة الجميلة بأن تقع في، حب والدها الملك وتغرق الرغبة به في قلبها.
فقامت هذه الفتاة بمعونة خادمتها بالتسلل الى فراش أبيها في كل ليلة واستمرت بهذا السفاح ل 12 ليلةً حملت الفتاة من والدها الذي اكتشف ما قامت به إبنته فقرر قتلها ولحق بها إلى الغابة فقررت الالهة حماية هذه الفتاة فقامت بتحويل هذه الفتاة إلى شجرة المر” اللبان ” وبعد 10 أشهر وفي 25 كانون الاول إنشقت الشجرة وخرج طفل باهر الجمال أخذ جمال والدته ولشدة جماله قررت أفروديت ﺇﺧﻔﺎﺋﻪ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻵﻟﻬﺔ ووضعته في تابوت وأغلقته واعطته إلى أختها ﺑﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ وطلبت منها عزم النظر إلى ما يحتوي لكن الفضول قاتل فنظرت فشاهدت طفلاً في غاية الجمال كبرته وأنشأته حتى غدا شاباً رائع الجمال فعشقته ﺑﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ وعندما عادت أفروديت لإسترجاع أدونيس إمتنعت ﺑﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ عن تنفيذ العهد وحصل نزاع بين الألهتين فتدخل زيوس وطبب من الحورية كاليوبي حل النزاع وفعلاً حلت هذا النزاع بأن تقسم السنة على ثلاثة أجزاء أربع شهور يقضيها اثأدونيس برفقة ﺑﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ في عالم الاموات وأربعة شهور برفقة أفروديت في عالم الأحياء والأربع الأشهر الباقية له حرية الإختيار فإختار قضائها مع أفروديت.
كان أدونيس يحب الصيد مع حبيبته أفروديت وخلال إحدى رحلاته في افقا بجبيل خرج من دون الهته الحامية أفروديت و بالقرب من مدينة جبيل راى خنزيراً برياً رماه بأحد السهام لكن الخنزير لم يمت فتمكن من ادونيس وجرحه في قدمه جرحاً بليغاً وفاضت دمائه سمعت افروديت أنين ادونيس فسارعت اليه لكنها لم تتمكن من إنقاذه فإختلطت دموعها بدمائه ونبتت زهور شقائق النعمان أما دمائه فسالت حتى إختلطت بنهر ادونيس بالقرب من جبيل الذي صبغ بالأحمر حتى مصبه بالبحر المتوسط.
ومع هذا الموت الأليم قررت أفروديت إقامة ﻃﻘﻮﺱ رثاء ﺩﻳﻨﻴﺔ تخلد ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ وذلك ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺭﺑﻴﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻨﻈﻴﻢ إﺣﺘﻔﺎﻻﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ تسمى ﺍﻻﺩﻭﻧﻴﺎﺕ .
ملاحظات
– المصادر الفينيقية لهذه القصة شحيحة المصادر الرئيسية هي المصادر الإغريقية والتي يعود اولها للقرن 6 ق. م بالإضافة لمصدرين رئيسين هما الشاعر الإغريقي أوفيد في أواخر القرن الأول قبل الميلاد والشعر الإغريقي هيسيود كذلك في نفس الفترة.
– تورد بعض المصادر أن ابوي ادونيس هما : ” ثياز ملك أشور وإبنته سميرنا أما أوفيد يرجع والديه إلى ” ﺳﻴﻨﻴﺮﺍﺱ ملك قبرص وإبنته ميرا ” وهيسيود يقول أن والده الملك الفينيقي فينيكس أبن اجينور”.
– بعض الروايات تورد ولادته من جذع الشجرة حيث تم شقها بسهم وفي روايات أخرى شقت الشجرة بناب خنزير بري لتكون ولادته بناب الخنزير وموته بناب الخنزير.
– تختلف الروايات حول الوفاة بعض الروايات تقول أن ﺁﺭﻳﺲ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﺤﺮﺏ كان ﻋﺸﺎقاً لأفروديت فتحول ﺇﻟﻰ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﻭﻫﺎﺟﻢ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﻏﻴﺮﺓً ﻭ ﻳﻘﻮﻝ ﺁﺧﺮﻭﻥ أن ﺃﺑﻮﻟﻮ إنتقاماً ﻣﻦ ﺃﻓﺮﻭﺩﻳﺖ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻋﻤﺖ ﺍﺑﻨﻪ ﻫﺮﻳﻤﺎﻧﺘﻮﺱ .
و ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺁﺧﺮ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺒﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ ألهة العالم السفلي حيث ﺃﻥ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﻓﻀًﻞَ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻣﻊ ﻣﻨﺎﻓﺴﺘﻬﺎ ﺃﻓﺮﻭﺩﻳﺖ فقررت قتله ليعود إليها.
– نلاحظ في القصة الإغريقية لا يوجد ما يذكر القيلمة بعد الموت التي عرفناها في الأسطورة السومرية/ البابلية الخالدة اي أنه إله نباتي مات ولم يقم من بين الاموات انما دوره النباتي هو مكوث في عالم الاموات وعودة الى، عالم الأحياء
-يمكن أن نلاحظ عودة مفهوم الموت ثم القيامة في الاسطورة الرومانية وهي ذاتها الإغريقية لكن مع تغير الاسماء :
– (ﻋﺸﺘﺮﻭﺕ -ﺍﻓﺮﻭﺩﻳﺖ) اصبحت ﻓﻴﻨﻮﺱ
– ﺑﻴﺮﺳﻴﻔﻮﻧﻲ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺑﺮﻭﺯﺭﺑﻴﻦ
– ﺁﺭﻳﺲ اصبح ﻣﺎﺭﺱ
– ﻭﺯﻳﻮﺱ اصبح ﺟﻮﺑﺘﻴﺮ.
تشترك بقسم كبير كما اسلفنا مع القصة الاغريقية لكنه تتفق بشدة مع حكاية الإله الشاب الفينيقي أشمون والذي يعد شكلاً من أشكال ادونيس وتقول الحكاية الإغريقية أن بعد ولادة أدونيس ربته الحوريات في إحدى المغارات وعندما كبر اصبح شاباً وسيماً وصياداً وخلال إحدى رحلات صيده رأته فينوس التي وقعت في حبه .
أما بالنسبة لوفاته فتروي بعض الروايات ﺃﻥ ﻣﺎﺭﺱ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﻋﺸﻴﻖ ﻓﻴﻨﻮﺱ ﻗﺪ ﺗﺤَﻮًﻝ ﺇﻟﻰ ﺧﻨﺰﻳﺮ ﺑﺮﻱ ﻭﻫﺎﺟﻢ ﻭﻗﺘﻞ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ إﻧﺘﻘﻞ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ وقد ﻋﺎﻧﺖ ﻭﺗﺄﻟﻤﺖ ﻓﻴﻨﻮﺱ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻭﺣﺎﻭﻟﺖ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ لكت ﺑﺮﻭﺯﺭﺑﻴﻦ ﻣﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ التقت ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﻮﺳﻴﻢ ﻭﻭﻗﻌﺖ في حبه ﻭﺭﻓﻀﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻔﻴﻨﻮﺱ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎﺩﺗﻪ .
ﻃﻠﺒﺖ ﻓﻴﻨﻮﺱ ﻣﻦ ﺟﻮﺑﻴﺘﺮ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻵﻟﻬﺔ، ﺑﺎﻟﺘﺪﺧﻞ، ﻓﻘﻀﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ، ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ﻣﻊ ﺗﺠﺰﺋﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﺳﻢ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺩﻭﺭﺓ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻊ ﺑﺮﻭﺯﺭﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻭ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻳﺠﺴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻭﻻﺩﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﻭﺍﻟﺨﺮﻳﻒ .
– كان أدونيس في الأصل من الآلهة التي مثلت الطاقة الشمسية التي يدمرها الشتاء على مبدأ الشر البارد وهو الذي تم تمثيله بالخنزير ” لذلك تم تحريمه لانه يمثل الشر فأعتبر نجساً بالإضافة للأثار السلبية للخنزير في العملية الزراعية فهو يقوم بإتلاف المحاصيل الزراعية لذلك كانت وفاة الإله النباتي بسببه.
– ولد أدونيس من شجرة المر كان المر رمزاً للموت بسبب إرتباطه بعملية التحنيط بالتالي كان ولادته حياة من موت.
– كما بينا أن أفروديت أعلنت مهرجان أدونيا لإحياء ذكرى وفات أدونيس المأساوية والتي احتفلت بها النساء كل عام في بداية الصيف في شهر تموز والذي انتقل إلى اليونان القديمة فكانت النساء اليونانيات كل عام يزرعن في أواني فخارية صغيرة مجموعة متنوعة من النباتات سريعة النمو مثل الخس والشمر أو حتى الحبوب سريعة النمو مثل القمح والشعير وذلك على سطوح وشرفات منازلهم وكانت تدعى “حديقة أدونيس” بوضع الأواني الفخارية تحت حرارة شمس الصيف حيث تنبت بعد فترة هذه النباتات في ضوء الشمس ولكنها تموت بسرعة بسبب الحرارة.
عندها كانت النساء تبدأ بالحزن والصراخ بصوت عالٍ على وفاة أدونيس و يمزقن ملابسهن ويضربن صدورهن في عرض عام للحزن.
– اعتبر البعض أن عبادة أدونيس بأنها تقابل عبادة الإله الفينيقي بعل كونه إله زراعي يعاني الموت والقيامة كما أن كلمة ” بعل ” تعني “السيد” ” في العالي ” (بعل = أدون) .
Amjad Sijary