
منذ القدم إرتبط الثعبان بالحكمة والشفاء والخلود والخلاص يمكن أن نرجع هذه الدلالات لعدد كبير من الأسباب التي دفعت الناس للإعتقاد بهذه الرمزية و من أهمها مثلاً الخصائص التي يتمتع بها وجه الأفعى وعيونها السوداء الغريبة التي جعلتهم يعتقدون أن قدرتها حدسية عقلية وليست حسية بصرية بالإضافة لحركاتها ومنوراتها والتي أبهرت البشر جعلت منها رمزاً للحكمة ويمكن ملاحظة هذه الدلالة من تمثيلها في عصا هرمز الحكيم Caduceus الكادوسيوس والمكونة من ثعبانين ملتفين حول عصا والنسخة الأقدم من هذا الرمز تم العثور عليه في بلاد، الرافدين منقوشاً على مزهرية سومرية تعود للقرن 21 ق. م مخصصة للإله nin-g̃iš-zid-da نينجيشزيدا ونتيجة حكمتها تم ربطها بإنكي إله المياه والحكمة السومري من قبل بعض الباحثين وخصوصاً نتيجة التشابه بين قصة إنكي مع الثمار المحرمة و قصة غواية أدم وحوا من قبل الحية بالإضافة لإسم انكي الشامي ” إيا ” ” حيا” الذي، يقارب كلمة حية.
كما أن قدرة الأفعى على تغير جلدها وكأنها تخلق من جديد دفع الأقدمين للإعتقاد بأن الافعى لا تموت أبداً إلا بالعنف من قبل مخلوق آخر ، و إن لم يؤذيها ويقتلها أحد فإنها ستعيش للأبد.
بالتالي اصبحت لديهم رمزاً مهماً للخلاص والخلود ومن هنا أخذت إسمها ” حية ” والذي يعني الحياة.
كما يُعتقد أيضا أن الثعابين إذا ابتلعت نفسها أي أدخلت ذيلها بفمها ستخلق دائرة الحياة الكونية أي الأوروبوروس بالتالي وصلت البداية بالنهاية والسالب بالموجب والخير والشر بالتالي جمعت المتناقضات وجمع المتناقضات يعني الكمال بالتالي كانت رمزاً للخالق الاعلى .
كما تم الإعتقاد في مصر القديمة أن الثعبان لديها قدرات على الشفاء حيث قدمت الترانيم والقرابين إلى الأفعى لأنهم كانوا يعتقدون أن الإلهة يمكن أن تظهر من خلالها ومنه إنتقل هذا المفهوم إلى اليونان القديمة وارتبط بإله الشفاء اسكليبيوس ومسافيه التي تزحف بها الحيايا على اجساد المرضى وعصاه الشهيرة التي تستعمل حتى اليوم في الرموز الطبية .
كما أن شكل الأفعى والذي يشبه الحبل والذي يدخل ويخرج من الارض جعلت الناس تربط بين الثعابين و الحبل السري الذي يربط الجنين ” الإنسان ” بأمه ” الأرض الألهة الأم ” بالتالي أعتبرت الحية هي العلاقة السرية بين الأرض الأم والبشر وبين الظاهر والعلوم الباطنية للأسرار كما هو الحال في جزيرة كريت القديمة حيث كانت تعبد الأفاعي على أنها الاوصياء على ميلاد الأسرار وتجددها كما تخبر الأساطير الكونية اليونانية عن كيفية احتضان الأفعى للبيضة البدائية التي ولد منها كل الوجود .
في الحكاية التوراتية المتعلقة بالحية و التي أغوت حواء للأكل من الشجرة المحرمة المعروفة بشجرة المعرفة وأطعمت أدم منها فكانت النتيجة هي لعن يهوه لهذه الحية بأن يتركها بلا أرجل زاحفة على بطنها وأن تبقى مهدده من قبل البشر هو يكسر راسها وهي تلدغ ساقه بالتالي خلقت اليهودية ومن بعده بقية الاديان حالة من الكراهية للحيايا وتم الإنتقال من كونها رمزاً للخير والحكمة إلى رمز للشر والأذية.
لكن المثير كيف تعامل الغنوصيون مع هذا الفهم وهذه الدلالة التي ذكرتها الحكاية التوراتية؟
بينت لكم أن الأفعى كانت تمثل الحبل السري بين باطن الأرض والإنسان بالتالي هي ترمز إلى ناقل الأسرار الباطنية والعلوم الإلهية بين الروح الكلية الموناد والأرواح الجزئية لذلك
غالباً ما يشار إلى المعلمين في التعاليم السرية بالحيايا حيث اعتبرت حكمتهم مشابهةً للحكمة و للقوة الإلهية التي تصلهم بالإله الأوحد الموناد.
لذلك بقيت الحية بالنسبة للغنوصين حتى بعد إنتشار الأديان السماوية رمزاً للحكمة والخلاص وخصوصاً في الرمزية للقصة التوراتية حيث إعتبروا أن الحية التي أغرت حواء على الأكل من شجرة المعرفة المحرمة ذلك دلالة على غواية الإنسان بشكل عام على معرفة نفسه والتخلص من المادة بالتالي بالتخلص من خالق المادة الذي أسموه الديمورجي الايون الشرير والذي اعتبره الغنوصيون المسيحيون ذاته يهوه .
فكانت الافعى الحكيمه هي بمثابة المعلم الذي يعطي المريد العرفان ليخلصه من قيود جسده المادي ويحرره من جسده المادي وصولاً للخلاص. بالتالي كان الثعبان عندهم هو رمز ونموذج أولي للمخلص العالمي الذي يفدي العالم من خلال إعطاء الخلق المعرفة بنفسه والتي من خلالها يتم إدراك الخير والشر كما أن شجرة الحياة التي يلتف عليها الثعبان في وسط جنة عدن هو دلالة على العمود الفقري الذي يسكنه النخاع الشوكي الذي ينتصب في وسط الإنسان والذي يخلق الإنسجام بين المكونات الاربع ( نار- ماء – هواء تراب ) أي الأطراف والطرف الخامس المعبر عن الرأس والذي يمثل الأثير.
طبعاً وبينوا قصصاً تناقض شر الأفعى من التوراة نفسه كيف أن الأفعى قد استعملت رمزاً للهداية والحكمة والخلاص ومن اشهر هذه الرموز رفع موسى الأفعى النحاسية في البرية كي يحمي اتباعه من لدغات الافاعي ويقودهم للخلاص “فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا”
ويستشهدون أيضاً بتعليمات المسيح لتلاميذه بأن يكونوا حكماء كالحيات؟ في قوله :
“هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسَطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ.”
Amjad Sijary