
مقدمة وتعريف
أبو فراس الحَمْدَاني هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الرَّبَعي، (320 هـ – 357 هـ / 932 – 968م).هو شاعر وقائد عسكري حمداني، وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني أمير الدولة الحمدانية التي شملت أجزاء من شمالي سوريا والعراق وكانت عاصمتها حلب في القرن العاشر للميلاد. هو أميرٌ عربيٌّ من بلاد الشام كان فارساً لا يشق له غبار، وشاعراً اشتهر ببلاغته في الشعر، حيث امتاز شعره بالجزالة والسهولة والحلاوة والفخامة، إذ ظهر ذلك بوضوح في أشهر قصائده وهي “روميّاته”، قاتل أبو فراس إلى جانب إبن عمه سيف الدولة في معارك كثيرةٍ، لذا ولاه سيف الدولة الحكم على منبج وحران، وهما مدينتان سوريتان تقعان بين حلب ونهر الفرات .
حياته ونشأته
ولد أبو فراس الحمداني في مدينة الموصل في العراق، في عام 320 أو عام 321 هجري، ويعود نسبه من ناحية الأب إلى قبيلة تغلب المعروفة، ومن ناحية الأم إلى قبيلة تميم، إلا أنّ بعض المؤرخين قد شككوا في نسبه من ناحية والدته، فذكروا أنها رومية الأصل، ومهما يكن من أمر، للشاعر عروبة راسخة في مواقفه.
نشأ أبو فراس الحمداني يتيمًا؛ إذ قتل والده على يد ابن أخيه ناصر الدولة، وذلك بسبب خلاف وقع بينهما على إمارة الموصل، وكان أبو فراس آنذاك لم يتجاوز بعد الثالثة من عمره، وقد نذرت والدته حياتها من أجله، وتعهدت برعايته وتربيته على أكمل وجه، وفيما بعد انتقل أبو فراس مع والدته إلى مدينة منبج بالقرب من حلب، وهناك كفله ابن عمه أمير حلب سيف الدولة الحمداني، وقد أولاه الاهتمام والعناية الشديدين، فكان بمثابة الوالد له، فتربى أبو فراس ونشأ في كنف سيف الدولة على الشعر والفروسية والشجاعة.
تعليمه
نشأ أبو فراس الحمداني في بلاط سيف الدولة، والذي جمع فيه الكثير من الشعراء، والأدباء، والعلماء، فأتاح له ذلك أن يلتقي بأئمة عصره في جميع الفنون، فكان لهذا الأمر الأثر الكبير في تكوين شخصية أبي فراس الأدبية، وقام سيف الدولة بإرساله إلى البادية؛ ليتلقن اللغة السليمة عن البدو، ودرس اللغة على يد أشهر الأئمة، فتميز بفصاحته وبلاغته، وشهد له بذلك شعراء عصره، وقد عهد سيف الدولة إلى ابن خالويه مهمة الإشراف على تعليم أبي فراس، وأصبحت فيما بعد العلاقة التي جمعت أبو فراس ومعلمه وثيقة وقوية، فكان ابن خالويه الراوي الوحيد لشعر أبي فراس، وجامع ديوانه وشارحه .
لم يكتفِ سيف الدولة بتعليم أبي فراس الأدب واللغة، بل اهتم أيضًا بتدريبه على الفروسية وأساليب القتال، فعيّن له أمهر القادة لتحقيق ذلك، كما اصطحبه معه في العديد من غزواته منذ صباه؛ ليكتسب المهارات العملية، وقد شارك أبو فراس مع سيف الدولة في معظم معاركه ضد الروم، والقبائل العربية المتمردة، فيقول أبو فراس: “غزونا معه وفتحنا حصن العيون في سنة 339 هـ-950م، وسنّي إذ ذاك تسعة عشر عامًا”، وقد أبلى بلاءً حسنًا، وأظهر من الشجاعة، والإخلاص، والثبات، والولاء ما دفع بسيف الدولة أن يقوم بتوليته إمارة منبج؛ تقديرًا وإكرامًا له، فاضطلع أبو فراس بواجبات الإمارة على أكمل وجه .
في الأسر
يذكر بعض المؤرخين أنّ أبا فراس الحمداني قد تم أسره من قبل الروم مرتين، المرة الأولى في عام 347 هجريًا، إذ اقتاده الروم في المرة الأولى إلى منطقة تسمى “خرشنة” والتي تقع على الفرات، وقد كان لهم فيها حصنٌ منيع، إلا أنه لم يمكث فترة طويلة في الأسر، إذ افتداه سيف الدولة، كما قال بعض المؤرخين أنه استطاع الهرب .
أما المرة الثانية، فكانت عند سقوط منبج بأيدي الروم وذلك في عام 350 هجريًا، وفي هذه المرة قاده الروم إلى القسطنطينية، إذ مكث فيها طوال مدة أسره والتي بلغت أربع سنوات وحتى عام 354 هجريًا، إذ استطاع سيف الدولة إعادة ترتيب وتجهيز جيوشه، فهاجم الروم . وانتصر عليهم، وأسر البعض منهم، ومن ثم قام بافتداء أبو فراس ومن معه من الأسرى المسلمين .
وقد قضى أبو فراس فترة سجنه في تنظيم أجمل وأبلغ قصائده الشعرية، والتي كانت مليئة بمشاعر الحزن، والألم، والحنين إلى الوطن ووالدته، بالإضافة إلى الرسائل التي كان يرسلها إلى ابن عمه؛ يشكو فيها من الأسر، ويلومه على تأخره في فدائه .
شعره وحياته الأدبية
تنوّعت الأغراض الشعرية في شعر أبي فراس الحمداني، فكتب في الرثاء شعراً امتاز بعدم المبالغة في التفجع، وامتاز بذكر الحكم في الحياة والموت للتخفيف عن صاحب المصيبة، كما كتب في الغزل شعراً امتاز بصدق المشاعر وحرارة العاطفة، لكنه لم يخرج في غزله عن نهج سابقيه من شعراء الجاهلية من حيث الوقوف على الأطلال والتشبيهات، أما شعره في الفخر فقد جاء متأثراً بمكانته وبرفعة نسبه، فافتخر بنفسه وبعشيرته ومن ذلك قوله :
نطقتُ بفضلي وامتدحتُ عشيرتي فلا أنا مدّاح ولا أنا شاعر
خلال فترة أسره كتب أبو فراس بعضا من القصائد والشعر وسميت هذه المجموعة من القصائد بإسم”الروميات” نسبة إلى الروم والبيزنطيين سجل أبو فراس في رومياته معاناته وعذابات نفسه خلال فترة حبسه، وصور فيها حالة أسره ونفسيته المنكسرة، وقدرته على التصبر وقوة إيمانه بالله، كما ظهر جلياً فيها فتور همته الحربية فقد كان همه الوحيد هو الخلاص من سجنه المظلم، والتحرر من أسره والعودة إلى الديار ولقيا الأحباب، لهذا اتسمت قصائد الروميات بالرقة والسلاسة وببعدها عن التكلف والتصنع .
كان يتمتع أبو فراس بمكانة بارزة بين عظماء الشعر العربي الكلاسيكي ، حيث قال فيه الباحث المرموق المعاصر وهو رجل الدولة البارز صاحب بن عباد ، “بدأ الشعر بملك أى أمرؤ القيس وانتهى بملك أي أبو فراس”
تضم أعمال أبو فراس المبكرة قصائد كلاسيكية في مدح الحمدانيين وأعمالهم ، وقصائد في الشكل العراقي في موضوعات عن الحب والخمر والصيد والصداقة .
تضمنت عدد قصائده 272 قصيدة أبرزها :
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ
صاحبٌ لمَّـا أساءَ
كانَ قضيباً لهُ انثناءُ
أيَا سَيّداً عَمّني جُودُهُ
أقَنَاعَة ً، مِنْ بَعدِ طُولِ جَفاءِ
أما يردعُ الموتُ أهلَ النهى
كأنما تساقطُ الثلجِ
أتَزْعُمُ أنّكَ خِدْنُ الوَفَاءِ
أَسَيْفُ الهُدَى ، وَقَرِيعَ العَرَبْ
تُقِرّ دُمُوعي بِشَوْقي إلَيْكَ
و ما أنسَ لا أنسَ يومَ المغارِ
الشّعرُ دِيوانُ العَرَبْ
لنْ للزمانِ ، وإنْ صعبْ
ألا إنّمَا الدّنْيَا مَطِيّة ُ رَاكِبٍ
منْ كانَ أنفقَ في نصرِ الهدى نشباً
أبرز أبيات شعره فى قصيدة الشّعرُ دِيوانُ العَرَبْ :
الشّعرُ دِيوانُ العَرَبْ
أبداً وعنوانُ النسبْ
لَمْ أعْدُ فِيهِ مَفَاخِري
ومديحَ آبائي النجبْ
و مقطعاتٍ ربمـا
حَلّيْتُ مِنْهُنّ الكُتُبْ
لا في المديحِ ولا الهجاءِ
أبرز الأبيات الشعرية من قصيدة أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ :
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ
أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة
ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
الرثاء عند أبو فراس
لم يرْثِ أبو فراس إلا بعض ذويه كأمه وأخته وابن أخته، وبعض أقاربه مثل ابن عمه وأخت سيف الدولة وبعض أصدقائه المقرّبين، وقد بلغ عدد أبيات شعره في الرثاء تسعين بيتاً، وكان أكثر رثائه لأمه والذي ظهر فيه صدق العاطفة وقوتها ومثال على ذلك قوله :
أيا أمَّ الأسيرِ سقاكِ غيثٌ
بكُرْهٍ مِنْكِ مَا لَقِيَ الأسِيرُ
أيا أمَّ الأسيرِ سقاكِ غيثٌ
إلى منْ بالفدا يأتي البشيرُ
إذا ابنكِ سارَ في برٍ وبحرٍ
فمنْ يدعو لهُ أو يستجيرُ العتاب
ومن عتابه الراقي لإبن عمه سيف الدولة يقول :
أيا عاتبًا لا أحمل الدهر عتبه
علي ولا عندي لأنْعُمه جحدُ
سأسكت إجلالًا لعلمك أنني
إذا لم تكن خصمي لي الحجج اللدُ
وفي هجر سيف الدولة له قال معاتبا :
وكنت إذا ما نابني منك نائبٌ
لَطَفتُ لقلبي أو يقيمَ لك العذرا
وأكره إعلامَ الوُشاةِ بهجرهِ
فأعتبهُ سراً وأشكرهُ جهرا .
وفي عتابه لجنده بعد هزيمة في معركة لمخالفتهم الأوامر والخطط التي رسمها لهم يقول :
كيفَ أرجو الصلاحَ من أمرِ قومٍ
ضيعوا الحزمَ فيهِ أي ضَياع
فَمُطاعُ المَقالِ غيرَ سَديدٍ
وسَديدُ المُطاعِ غير مُطاع .
قال مفتخرا بشجاعته في الأسر :
أسرتُ وما صَحبي بِعُزلٍ،
لَدى الوغَى ولا فَرسي مُهر،
ولا ربّهُ غَمْرُ ولكن إذا حَمّ القضاءُ على امرئ فليسَ له بَرٌّ يقيهِ، ولا بَحرُ
وقالَ أُصّيحابي: الِفرار أو الرّدى؟ فقلتُ: هما أمرانِ أحلاهُما مرُّ
ولَكنني أمضي، لِما لا يُعيبُني وحَسْبك من أمرينِ خيرهُما الأسرُ .
وفي الصبر على الشدائد يقول :
صبورٌ ولو لم تبق منّي بقيّةٌ
قؤولٌ ولو أنّ السيوفَ جوابُ .
وفي الجود والكرم يقول :
أنا الجارُ لا زادي بطيءٌ عليهمُ
وَلا دُونَ مَالي لِلْحَوَادِثِ بَابُ
وفي مكارم الأخلاق يقول :
خالصَ الودِ صادقَ الوعدِ، أُنسي
في حضوري محافظٌ في مَغيبي .
وفاته
توفي الفارس الشاعر الشجاع أبو فراس الحمداني الذي عاش حياته مقاتلاً وأسيراً سنة (356هـ -966م) أي بعد عامٍ واحد من خروجه من سجنه، وترجّل عن صهوة جواده وهو في ريعان شبابه حيث كان عمره سبعة وثلاثين عاماً، وقد قدر له أن يموت في ميدان المعركة، إذ تقول الرواية أنّه حين أراد الاستيلاء على مدينة حمص وقعت معركة بينه وبين أعدائه فسقط فيها قتيلاً رحمه الله .
المراجع
سهاد جادري (1997)، “الحرب في شعر أبي فراس الحمداني”، الكلية الإسلامية الجامعة، العدد 5، المجلد 1، صفحة 377. بتصرّف. ↑ عبد الملك المومني، التجربة الإنسانية في روميات أبي فراس الحمداني، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 45. بتصرّف. ^ أ ب ت ث خليل الدويهي (1994)، ديوان أبي فراس الحمداني (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 11،12،13. بتصرّف. ↑ عايدة سعدي (2009)، شعر الروميات لأبي فراس الحمداني، الجزائر: جامعة منتوري قسطنطينة، صفحة 10،11. بتصرّف. ^ أ ب ت ث ج ح نوال ويس (2014)، أبو فراس الحمداني حياته وشعره، الجزائر: جامعة أبي بكر بلقايد، صفحة 17، 4. بتصرّف. ^ أ ب ت إحسان عباس، فايزة الداية، أحمد درويش وآخرون (2002)، دورة أبو فراس الحمداني، الكويت: مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين، صفحة 262،263. بتصرّف. ↑ منى المطرفي (2017)، الفخر الذاتي في شعر أبي فراس الحمداني، السعودية _مدينة الباحة: جامعة الباحة، صفحة 3657_3659. بتصرّف. ^ أ ب ت محمد آل عجيم (1429هـ)، صورة سيف الدولة في شعر سيف الدولة الحمداني، السعودية: جامعة أم القرى، صفحة 10_12. بتصرّف. ^ أ ب فالح الكيلاني، شعراء العصر العباسي (الطبعة الرابعة)، صفحة 477-479، الجزء الأول- الثاني. بتصرّف.